فإن قيل : كيف جعل المصلين قائما مقام ضمير الذي يكذب ، وهو واحد؟ أجيب : بأن معناه الجمع لأنّ المراد به الجنس. فإن قيل : أي فرق بين قوله تعالى : (عَنْ صَلاتِهِمْ) وقولك في صلاتهم؟ أجيب : بأن معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشياطين من المسلمين ، ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقع له السهو في صلاته فضلا عن غيره ، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم ، وقد مرّت الإشارة إلى بعض ذلك. فإن قيل : ما معنى المراآة؟ أجيب : بأنها مفاعلة من الإراءة ، لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به ، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ولا غمة في فرائض الله» (١) لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ، ولأنّ تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إناطة الهمة بالإظهار ، وإن كان تطوّعا فحقه أن يخفي لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه ، فإن أظهره قاصدا للاقتدار به كان جميلا.
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم : أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطال ، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك ، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة على أنّ اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» (٢).
ثم بين أن من هو بهذه الصفة يغلب عليه الشح بقوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ) أي : على تجدد الأوقات (الْماعُونَ) أي : حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد : الماعون أعلاها الزكاة المفروضة ، وأدناها عارية المتاع. وعن عليّ أنها الزكاة. وقال محمد بن كعب الكلبيّ : الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وقال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له سعنة ولا معنة ، أي : شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير وقيل : الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار. وقول البيضاويّ تبعا للزمخشري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة أرأيت غفر له إن كان للزكاة مؤدّيا» (٣) حديث موضوع.
__________________
(١) انظر القرطبي في تفسيره ٢٠ / ٢١٣.
(٢) أخرجه البغوي في شرح السنة ١٤ / ٣٢٤ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٠٥.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٨١١.