المسلمين حتى يستغني فقد وجبت له الجنة» (١).
واختلف فيمن نزل ذلك فيه ، فقال مقاتل : في العاصي بن وائل السهمي. وقال السديّ : في الوليد بن المغيرة. وقال الضحاك : في عمرو بن عابد المخزومي. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : في رجل من المنافقين. وقيل : في أبي جهل.
(وَلا يَحُضُ) أي : يحث نفسه ولا غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي : بذله له وإطعامه إياه ، بل يمقته ولا يكرمه ولا يرحمه ، وقد تضمن هذا أنّ علامة التكذيب بالبعث إيذاء الضعيف ، والتهاون بالمعروف
ولما كان هذا مع الخلائق أتبعه حاله مع الخالق بقوله تعالى : (فَوَيْلٌ) أي : عذاب ، أو واد في جهنم (لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ) أي : بضمائرهم وخالص سرائرهم (عَنْ صَلاتِهِمْ) التي هي جديرة بأن تضاف إليهم لوجوبها عليهم وإيجابها لأجل مصالحهم ومنافعهم بالتزكية وغيرها (ساهُونَ) أي : عريقون في الغفلة عنها وتضييعها ، وعدم المبالاة بها ، وقلة الالتفات إليها. وروى البغويّ بسنده أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن هذه الآية فقال : «هو إضاعة الوقت» (٢). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : «هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ويصلونها في العلانية مع الناس إذا حضروا» (٣) لقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ) أي : بجملة سرائرهم (يُراؤُنَ) أي : بصلاتهم وغيرها الناس ، لأنهم يفعلون الخير ليراهم الناس لا لرجاء الثواب ، ولا لخوف العقاب من الله تعالى ، ولذلك يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس.
وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في صلاته. وقال قطرب : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين. وقال عطاء : الحمد لله الذي قال تعالى : (عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) ولم يقل في صلاتهم ساهون فدل على أنّ الآية في المنافقين وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصلّ. وقال مجاهد : غافلون عنها متهاونون بها. وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياء ، وإن فاتته لم يندم ، وقيل : هم الذي يسهون عنها قلة مبالاة بها حتى تفوتهم ، أو يخرج وقتها ، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم والسلف ، ولكن ينقرونها نقرا من غير خشوع ، ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات ، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف ، ولا ما قرأ من السورة ، وكما ترى صلاة أكثر من ترى من الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ، ومنع حقوق أموالهم والمعنى : أنّ هؤلاء أحق أن يكون سهوهم عن الصلاة التي هي عماد الدين.
والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام علما على أنهم مكذبون بالدين ، وكم ترى من المتسمين بالإسلام بل بالعلم من هو منهم على هذه الصفة فيا مصيبتاه.
__________________
(١) أخرجه بنحوه أحمد في المسند ٤ / ٣٤٤ ، ٥ / ٢٩ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٢٤٣ ، ٨ / ١٦٠ ، ١٦١ ، وابن كثير في تفسيره ٥ / ٦٢.
(٢) أخرجه البغوي في تفسيره ٥ / ٣١٢.
(٣) انظر البغوي في تفسيره ٥ / ٣١٢.