القسم لا في المقسم به ، قال الزمخشريّ : ويجوز أن يراد الرياح وحدها ؛ لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جريا سهلا ، وعلى هذا يكون من عطف الصفات والمراد واحد فتكون الفاء على هذا الترتيب الأمور في الوجود وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو على المنبر : سلوني ، قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكواء فقال : ما الذاريات؟ قال : الرياح ، قال : فالحاملات وقرا قال : السحاب ، قال : فالجاريات يسرا ، قال : الفلك قال : فالمقسمات أمرا ، قال : الملائكة وكذا عن ابن عباس وعن الحسن المقسمات السحاب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد وقد حملت على الكواكب السبعة ، ويجوز أن يراد الرياح لا غير ، لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جريا سهلا وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
فإن قيل : إن كان وقرا مفعولا فلم لم يجمع وقيل : أوقارا؟ أجيب بأن جماعة من الرياح قد تحمل وقرا واحدا وكذا القول في المقسمات أمرا إذا قيل إنه مفعول به لأنّ جماعة من الملائكة قد تجتمع على أمر واحد.
فائدة : أقسم الله تعالى بجمع السلامة المؤنث في خمس سور ولم يقسم بجمع السلامة المذكر في سورة أصلا فلم يقل والصالحين من عبادي ولا المقربين إلى غير ذلك مع أنّ المذكر أشرف لأن جموع السلامة بالواو والنون في الغالب لمن يعقل
ولما كانوا يكذبون بالوعيد أكد الجواب بعد التأكيد بنفس القسم فقال تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) أي مطابق الإخبار به للواقع وسترون مطابقته له.
تنبيه : ما يجوز أن تكون اسمية وعائدها محذوف أي توعدونه وأن تكون مصدرية فلا عائد على المشهور وحينئذ يحتمل أن يكون توعدون مبنيا من الوعد وأن يكون مبنيا من الوعيد ، لأنه يصلح أن يقال أوعدته فهو يوعد ووعدته فهو يوعد لا يختلف فالتقدير : إن وعدكم أوان وعيدكم (وَإِنَّ الدِّينَ) أي المجازاة لكل أحد بما كسب يوم البعث (لَواقِعٌ) لا بدّ منه وإن أنكرتم.
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) قال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ذات الخلق الحسن المستوي ، يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد ما أحسن حبكه ، وقال سعيد بن جبير : ذات الزينة ، أي : المزينة بزينة الكواكب ، قال الحسن : حبكتها النجوم وقال مقاتل والكلبي والضحاك ذات الطريق كحبك الماء إذا ضربته الريح ، وحبك الرمل والشعر الجعد وهو آثار تثنيه وتكسره قال زهير (١) :
مكلل بأصول النجم تنسجه |
|
ريح خريق لضاحي مائه حبك |
والحبك يحتمل أن يكون مفرده حبيكة كطريقة وطرق أو حباك نحو حمار وحمر قال الشاعر (٢) :
كأنما جللها الحوّاك |
|
ظننته في وشيها حباك |
وأصل الحبك إحكام الشيء وإتقانه ، ومنه يقال للدرع : محبوكة.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٧٦ ، ولسان العرب (نسج) ، (خرق) ، (حبك) ، (نجم) ، وجمهرة اللغة ص ٢٨٣ ، وبلا نسبة في المخصص ٩ / ١٤٩.
(٢) الرجز لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.