فإن قيل : إذا كان المراد من الآية التسلية والإنذار ، فأي فائدة في حكاية الضيافة؟ أجيب : بأنّ في ذلك إشارة إلى أنّ الفرج في حق الأنبياء والبلاء على الجهلة يأتي من حيث لم يحتسبوا كقوله تعالى : (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [الزمر : ٢٥] فلم يكن عند إبراهيم عليهالسلام خبر من إنزال العذاب مع ارتفاع منزلته قال القشيري : وقيل كان عددهم اثني عشر ملكا وقيل : جبريل عليهالسلام وكان معه تسعة وقيل : كانوا ثلاثة ، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها والباقون بكسر الهاء وياء بعدها.
(إِذْ) أي حديثهم حين (دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي دخول استعلاء مخالف لدخول بقية الضيوف ، وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الذال عند الدال والباقون بالإدغام.
تنبيه : اختلف في العامل في إذ على أربعة أوجه : أحدها : أنه حديث أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه. ثانيها : أنه منصوب بما في ضيف من معنى الفعل ، لأنه في الأصل مصدر ولذلك استوى فيه الواحد المذكر وغيره ، كأنه قيل : الذين أضافهم في وقت دخولهم عليه. ثالثها : أنه منصوب بالمكرمين إن أريد بإكرامهم أن إبراهيم عليهالسلام أكرمهم بخدمته لهم كأنه تعالى يقول : أكرموا إذ دخلوا. رابعها : أنه منصوب بإضمار اذكر ، ولا يجوز نصبه بأتاك لاختلاف الزمانين.
فإن قيل : إنما أرسلوا إلى قوم لوط فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم عليهالسلام؟ أجيب من وجهين : أحدهما : أن إبراهيم عليهالسلام شيخ المرسلين ولوط من قومه ، وعادة الملك إذا أرسل رسولا لملك وفي طريقه من هو أكبر منه يقول له : اعبر على فلان الملك وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه. ثانيهما : أن إبراهيم عليهالسلام كان شديد الشفقة حليما فكان يشق عليه إهلاك أمّة عظيمة ، وكان ذلك مما يحزن إبراهيم عليهالسلام شفقة منه على العباد ، فقال لهم : بشروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف من هلك ويكون من صلبه فروع الأنبياء عليهمالسلام (فَقالُوا سَلاماً) أي هذا اللفظ. (قالَ سَلامٌ) أي : هذا اللفظ ، والمشهور أنّ السلام الأوّل المراد به التحية أي نسلم سلاما ، وقيل : إن سلاما معناه حسنا ؛ لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو أو يأثم ، فكأنهم قالوا قولا حسنا سليما من الإثم فيكون مفعولا به ، لأنه في معنى القول ، وأمّا رفع الثاني فالمشهور أنه التحية فهو مبتدأ وخبره محذوف أي عليكم ، وقيل : إنه السلامة ، أي : أمري سلام لأني لا أعرفكم ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام والباقون بفتح السين واللام وألف بعدها والمعنى واحد.
وقوله تعالى : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي غرباء لا أعرفهم قال ذلك في نفسه كما قاله ابن عباس خبر مبتدأ مقدّر أي هؤلاء. وقيل : إنما أنكر أمرهم ؛ لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان وقال أبو العالية : أنكر إسلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
(فَراغَ) أي ذهب في خفية من ضيفه ، فإنّ من آداب المضيف أن يبادر بالقرى حذرا من أن يكفه الضيف أو يصير منتظرا (إِلى أَهْلِهِ) أي الذين عندهم بقرة (فَجاءَ بِعِجْلٍ) أي فتى من أولاد البقر لأنه كان عامة ماله البقر (سَمِينٍ) قد شواه وأنضجه كما قال تعالى في سورة هود (حَنِيذٍ) [هود : ٦٦] أي : مشوي.
(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) بأن وضعه بين أيديهم ليأكلوا فلم يأكلوا (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) والهمزة إمّا