والشرّ والجنة والنار وما ذكر من أمر الرزق وما تقدّم الإقسام عليه (لَحَقٌ) أي ثبات يطابقه الواقع (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي مثل نطقكم كما أنه لا شك في أنكم تنطقون ينبغي لكم أن لا تشكوا في تحقيق ذلك وقال بعض الحكماء : معناه أن كل إنسان ينطق بلسان نفسه ولا يمكن أن ينطق بلسان غيره ، كذلك كل أحد يأكل رزق نفسه الذي قسم له لا يقدر أن يأكل رزق غيره وأنشدوا في المعنى (١) :
ما لا يكون فلا يكون بحيلة |
|
أبدا وما هو كائن سيكون |
سيكون ما هو كائن في وقته |
|
وأخو الجهالة مكمد مغبون |
وقيل : معناه أنّ القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون ، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة برفع اللام على أنه نعت لحق ، وما مزيدة وأنكم مضاف إليه أي لحق مثل نطقكم ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة لأنها لا تتعرف بذلك لإبهامها ، والباقون بالنصب على أنه نعت لحق أيضا كما في القراءة الأولى : وإنما بنى الاسم لإضافته إلى غير ممكن كما بناه القائل في قوله (٢) :
فتداعى منخراه بدم |
|
مثل ما أثمر حماض الجبل |
بفتح مثل مع أنها نعت لدم وقيل أنها نعت لمصدر محذوف أي لحق حقا مثل نطقكم. وقوله تعالى:
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧))
(هَلْ أَتاكَ) أي يا أكمل الخلق (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وتبشير له بالفرج وسماهم ضيفا ؛ لأنه حسبهم كذلك ويقع على الواحد والجمع لأنه مصدر ، وسماهم مكرمين عند الله تعالى ، أو لأنّ إبراهيم عليهالسلام أكرمهم بأن عجل قراهم وأجلسهم في أكرم المواضع واختيار إبراهيم لكونه شيخ المرسلين ، وكون النبيّ صلىاللهعليهوسلم مأمورا بأن يتبع ملته وكان إبراهيم عليهالسلام أكرم الخليقة ، وضيف الكرام مكرمون. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : لأنّ إبراهيم عليهالسلام خدمهم بنفسه ، وعن ابن عباس سماهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين ، وقال صلىاللهعليهوسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (٣).
__________________
(١) البيتان من الكامل ، وهما لابن أبي عيينة أو غيره في الأغاني ٢٠ / ١٠٤.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠١٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٤٧ ، وأبو داود في الأطعمة حديث ٣٧٤٨ ، والترمذي في البر حديث ١٩٦٧ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٦٧٢ ، والدارمي في الأطعمة حديث ٢٠٣٥ ، ومالك في صفة النبي صلىاللهعليهوسلم حديث ٢٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٧٤ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٤٣٣ ، ٤٦٣ ، ٣ / ٧٦ ، ٤ / ٣١ ، ٥ / ٤١٢ ، ٦ / ٦٩ ، ٣٨٤ ، ٣٨٥.