كان لوط وأهل بيته الذين نجوا ثلاثة عشر وقيل : هم لوط وابنتاه وصفوا بالإيمان والإسلام أي هم مصدّقون بقلوبهم عاملون بجوارحهم الطاعات.
تنبيه : في الآية إشارة إلى أنّ الكفر إذا غلب والفسق إذا فشا لا تنفع معه عبادة المؤمنين ، بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة وفيهم شر ذمة يسيرة يسرقون ويزنون ومثاله : أنّ العالم كالبدن ، ووجود الصالحين كالأغذية الباردة والحارة والسموم والواردة عليه الضارة ، ثم إنّ البدن إذا خلا عن النافع وفيه الضار هلك وإن خلا عن الضار وفيه النافع طاب ونما ، وإن وجدا فيه معا فالحكم للأغلب ، وإطلاق الخاص على العام لا مانع منه لأنّ المسلم أعم من المؤمن ، فإذا سمى المؤمن مسلما لا يدل على اتحاد مفهوميهما فكأنه تعالى قال : أخرجنا المؤمنين فما وجدنا الأعم منهم إلا بيتا من المسلمين ، ويلزم من هذا أن لا يكون هناك غيرهم من المؤمنين.
(وَتَرَكْنا) أي : بما لنا من العظمة (فِيها) أي تلك القرى بما أوقعنا بها من العذاب (آيَةً) أي علامة عبرة على هلاكهم كالحجارة أو الماء المنتن ، فإنا قلعنا قراهم كلها وصعدت في الجوّ كالغمام إلى عنان السماء ولم يشعر أحد من أهلها بشيء من ذلك ثم قلبت وأتبعت بالحجارة ثم خسف بها وغمرت بالماء الذي لا يشبهه شيء من مياه الأرض ، كما أنّ جنايتهم لم تكن تشبه جناية أحد ممن تقدّمهم من أهل الأرض (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي : أن يحل بهم كما حل بهذه القرى في الدنيا من رفع الملائكة لهم في الهواء الذاري إلى عنان السماء وقلبهم وإتباعهم الحجارة المحرقة ، وغمرهم بالماء المناسب لفعلهم بنتنه وعدم نفعه ، وما ادّخر لهم في الآخرة أعظم وخص الذين يخافون بالذكر لأنهم المعتبرون بها.
وقوله تعالى :
(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥))
(وَفِي مُوسى) عطف على قوله تعالى : (فِيها) بإعادة الجار ، لأنّ المعطوف عليه ضمير مجرور فيتعلق بتركنا من حيث المعنى ويكون التقدير وتركنا في قصة موسى آية (إِذْ أَرْسَلْناهُ) أي : بما لنا من العظمة (إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة واضحة وهي معجزاته الظاهرة كاليد والعصا ومع ذلك لم ينتفع بها ، ولذلك سبب عنها وعقب بها قوله تعالى : (فَتَوَلَّى) أي : كلف نفسه الإعراض عنها بعد ما دعاه علمها إلى الإقبال إليها وأشار إلى قواه بقوله تعالى : (بِرُكْنِهِ) أي : بسبب ما يركن إليه من القوّة في نفسه وبأعوانه وجنوده ، لأنهم له كالركن وقيل : بجميع بدنه كناية عن المبالغة في الإعراض (وَقالَ) معلما بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر (ساحِرٌ) ثم ناقض