كمناقضتكم فقال بجهله عما يلزم على قوله (أَوْ مَجْنُونٌ) أي : لاجترائه عليّ مع ما لي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه
تنبيه : أو هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشك نزل نفسه مع أنه يعرفه نبيا حقا منزلة الشاك في أمره تمويها على قومه ، وقال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو قال : لأنه قد قالهما قال تعالى : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ١٠٩] وقال في موضع آخر (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧] وردّ الناس عليه هذا وقالوا : لا ضرورة تدعو إلى ذلك وأمّا الآيتان فلا تدلان على أنه قالهما معا في آن واحد ، وإنما يفيدان أنه قالهما أعمّ من أن يكونا معا ، أو هذه في وقت وهذه في آخر.
ولما وقعت التسلية بهذا للأولياء قال تعالى محذرا للأعداء : (فَأَخَذْناهُ) أي : أخذ غضب وقهر بعظمتنا وقوله تعالى : (وَجُنُودَهُ) يجوز أن يكون معطوفا على مفعول أخذناه وهو الظاهر وأن يكون مفعولا معه.
(فَنَبَذْناهُمْ) أي : طرحناهم طرح مستهين بهم كما تطرح الحصيات (فِي الْيَمِ) أي : البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطنا الريح عليه فغرقته لما ضربه موسى عليهالسلام بعصاه ونشفت أرضه وأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا (وَهُوَ) أي والحال أنّ فرعون (مُلِيمٌ) أي آت بما يلام عليه من تكذيب الرسول ودعوى الربوبية وغير ذلك.
ثم ذكر تعالى قصصا أخر تسلية لنبينا صلىاللهعليهوسلم إحداها : قوله تعالى : (وَفِي عادٍ) أي : إهلاكهم وهم قوم هود عليهالسلام آية عظيمة (إِذْ) أي حين (أَرْسَلْنا) بعظمتنا (عَلَيْهِمُ الرِّيحَ) فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تدر الرمل وترمي بالحجارة كما مرّت الإشارة إليه على كيفية لا تطاق (الْعَقِيمَ) أي التي لا خير فيها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر وهي الدبور.
ثم بين عقمها وإعقامها بقوله تعالى : (ما تَذَرُ) أي : تترك على حالة رديئة ، وأغرق في النفي فقال تعالى : (مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) أي : إتيانا أراد مرسلها إهلاكه بها (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي : الشيء البالي الذي دهكته الأيام والليالي إلى حالة الدمار وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض وديس ، قاله ابن جرير.
فإن قيل : الجبال والصخور وغير ذلك أتت عليهم وما جعلتهم كالرميم أجيب بأنّ المراد أتت عليه قاصدة له وهو عاد وأبنيتهم وعروشهم ، لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة لهم فما تركت شيئا من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم.
ثانيها : قوله تعالى : (وَفِي ثَمُودَ) أي إهلاكهم وهم قوم صالح عليهالسلام آية عظيمة (إِذْ) أي حين (قِيلَ لَهُمْ) أي ممن لا يخلف الميعاد ، وقرأ هشام والكسائي بضم القاف والباقون بكسرها (تَمَتَّعُوا) أي بلبن الناقة وغيره مما مكناهم فيه من الزروع والنخيل والأبنية في الجبال والسهول وغير ذلك من جلائل الأمور على الوجه الذي أمرناكم به ، ولا تطغوا (حَتَّى حِينٍ) أي وقت ضربناه لآجالكم.
(فَعَتَوْا) أي أوقعوا بسبب إحساننا إليهم العتوّ وهو التكبر والإباء (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي : مولاهم الذي أعظم إحسانه إليهم فعقروا ناقته وأرادوا قتل نبيه صالح عليهالسلام (فَأَخَذَتْهُمُ) أي : بسبب عتوّهم أخذ قهر وعذاب (الصَّاعِقَةُ) أي : الصيحة العظيمة التي حملتها الريح