الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ)(١٤)
وقوله سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) : الآية ابتداء احتجاج على قريش / يوجب عليهم التناقض من حيث أقرّوا بالخالق ، وعبدوا غيره ، وجاءت العبارة عن الله ب (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ؛ ليكون ذلك توطئة لما عدّد سبحانه من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها ، وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الآية ، هذه أوصاف فعل ، وهي نعم من الله سبحانه على البشر ، تقوم بها الحجّة على كلّ مشرك.
وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ليس هو من قول المسئولين ، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى.
وقوله سبحانه : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) قيل : معناه : بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ، ولا قلّة فيقصر ؛ بل غيثا مغيثا ، وقيل : (بِقَدَرٍ) أي : بقضاء وحتم ، وقالت فرقة : معناه : بتقدير وتحرير ، أي : قدر ماء معلوما ، ثم اختلف قائلو هذه المقالة فقال بعضهم : ينزل في كلّ عام ماء قدرا واحدا ، لا يفضل عام عاما ، لكن يكثر مرّة هاهنا ومرة هاهنا ، وقال بعضهم : بل ينزل تقديرا ما في عام ، وينزل في آخر تقديرا ما ، وينزل في آخر تقديرا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه لا إله إلا هو.
قلت : وبعض هذه الأقوال لا تقال من جهة الرأي ، بل لا بدّ لها من سند ، و (فَأَنْشَرْنا) معناه : أحيينا ؛ يقال : نشر الميّت وأنشره الله ، والأزواج هنا الأنواع من كلّ شيء ، و (مِنَ) في قوله : (مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ) للتبعيض ، والضمير في (ظُهُورِهِ) عائد على / النوع المركوب الذي وقعت عليه «ما» ، وقد ، بيّنت آية أخرى ما يقال عند ركوب الفلك ، وهو : «بسم الله مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفور رحيم» [هود : ٤١] وإنما هذه خاصّة فيما يركب من الحيوان ، وإن قدّرنا أنّ ذكر النعمة هو بالقلب ، والتذكّر بدء الراكب ب (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه و (مُقْرِنِينَ) أي : مطيقين ، وقال أبو حيّان (مُقْرِنِينَ) : خبر كان ، ومعناه غالبين ضابطين ، انتهى ، وهو بمعنى الأوّل ، (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أمر بالإقرار بالبعث.