مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)(٢٤)
وقوله : (أَنْ أَدُّوا) مأخوذ من الأداء ، كأنّه يقول : أن ادفعوا إليّ ، وأعطوني ، ومكّنوني من بني إسرائيل ، وإيّاهم أراد بقوله : (عِبادَ اللهِ) ، وقال ابن عبّاس : المعنى : اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ (١) ، فعباد الله على هذا منادى مضاف ، والمؤدّى هي الطاعة ، والظاهر من شرع موسى* ع* أنّه بعث إلى دعاء فرعون إلى الإيمان ، وأن يرسل بني إسرائيل ، فلمّا أبى أن يؤمن ثبتت المكافحة في أن يرسل بني إسرائيل ، وقوله بعد : (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) كالنّصّ في أنّه آخر الأمر ، إنّما يطلب إرسال بني إسرائيل فقط.
وقوله : (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ ...) الآية : المعنى : كانت رسالته ، وقوله : (أَنْ أَدُّوا وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) أي : على شرع الله ، وعبّر بالعلوّ عن الطغيان والعتوّ ، و (أَنْ تَرْجُمُونِ) معناه : الرجم بالحجارة المؤدّي إلى القتل ؛ قاله قتادة وغيره (٢) ، وقيل : أراد الرجم بالقول ، والأول أظهر ؛ لأنّه الذي عاذ منه ، ولم يعذ من الآخر.
ـ قلت ـ : وعن ابن عمر قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سألكم بالله فأعطوه ، ومن استجار بالله فأجيروه ، ومن أتى إليكم بمعروف / فكافئوه ، فإن لم تقدروا فادعوا له حتّى تعلموا أن قد كافأتموه (٣)» ، رواه أبو داود ، والنسائيّ ، والحاكم ، وابن حبّان في «صحيحيهما» ، واللفظ للنّسائيّ ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ـ يعني البخاريّ ومسلما ـ ا ه من «السلاح».
وقوله : (فَاعْتَزِلُونِ) متاركة صريحة ، قال قتادة : أراد خلّوا سبيلي.
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٧٠)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٢٣٣) برقم : (٣١٠٩٨ ـ ٣١٠٩٩) عن قتادة ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٥١) عنه ، وابن عطية في «تفسيره» (٥ / ٧١) ، وابن كثير (٤ / ١٤١)
(٣) أخرجه أبو داود (١ / ٥٢٤) كتاب «الزكاة» باب : عطية من سأل بالله عزوجل (١٦٧٢) ، (٢ / ٧٥٠) كتاب «الأدب» باب : في الرجل يستعيذ من الرجل (٥١٠٩) ، وأحمد (٢ / ٦٨ ، ١٢٧) ، والنسائي (٥ / ٨٢) كتاب «الزكاة» باب : من سأل بالله عزوجل (٢٥٦٧) ، والحاكم (١ / ٤١٢) ، وابن حبان (٨ / ١٩٩) كتاب «الزكاة» باب : المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر ، ذكر الأمر بالمكافأة لمن صنع إليه معروف (٣٤٠٨) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٩ / ٥٦).
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، قد تابع عمار بن زريق على إقامة هذا الإسناد : أبو عوانة ، وجرير بن عبد الله الحميد ، وعبد العزيز بن مسلم القملي عن الأعمش.