وقوله : (فَدَعا رَبَّهُ) قبله محذوف ، تقديره : فما أجابوه لما طلب منهم.
وقوله : (فَأَسْرِ) قبله محذوف ، أي : قال الله له فأسر بعبادي ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» (١) : السّرى : سير الليل ، و «الإدلاج» سير السّحر ، و «التّأويب» : سير النهار ، ويقال : سرى وأسرى ، انتهى.
واختلف في قوله تعالى : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) متى قالها لموسى؟ فقالت فرقة : هو كلام متّصل بما قبله ، وقال قتادة وغيره : خوطب به بعد ما جاز البحر (٢) ، وذلك أنّه همّ أن يضرب البحر ؛ ليلتئم ؛ خشية أن يدخل فرعون وجنوده وراءه ، و (رَهْواً) معناه : ساكنا كما جزته ، قاله ابن عبّاس (٣) ، وهذا القول هو الذي تؤيّده اللغة ؛ ومنه قول القطاميّ : [البسيط]
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة |
|
ولا الصدور على الأعجاز تتّكل (٤) |
ومنه : [البسيط]
وأمّة خرجت رهوا إلى عيد |
|
................... |
أي : خرجوا في سكون وتمهّل.
فقيل لموسى* ع* : اترك البحر ساكنا على حاله من الانفراق ؛ ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣٦)
__________________
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (٤ / ١٦٩١)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٢٣٤) برقم : (٣١١٠١ ـ ٣١١٠٢) عن قتادة نحوه ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٥١) ، وابن عطية (٥ / ٧٢)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥) برقم : (٣١١٠٣ ، ٣١١٠٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٧٢) ، وابن كثير (٤ / ١٤١)
(٤) البيت في «ديوانه» ص : (٤) ، وينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٣١) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٧٢) ، و «الدر المصون» (٦ / ١١٥) ، في «المحرر» : «يمشون».