تَناصَرُونَ) أي : إنهم مسؤولون عن امتناعهم عن التّناصر ؛ وهذا على جهة التّوبيخ ، وقرأ خلق (١) «لا تتناصرون».* ت* : قال عياض في «المدارك» : كان أبو إسحاق الجبنياني ظاهر الحزن ، كثير الدّمعة يسرد الصيام ، قال ولده أبو الطاهر : قال لي أبي : إن إنسانا بقي في آية سنة لم يتجاوزها ، وهي قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) فقلت له : أنت هو؟ فسكت ، فعلمت أنّه / هو ، وكان إذا دخل في الصلاة : لو سقط البيت الذي هو فيه ، ما التفت ، إقبالا على صلاته ، واشتغالا بمناجاة ربّه ، وكان رحمهالله من أشدّ الناس تضييقا على نفسه ؛ ثم على أهله ، وكان يأكل البقل البرّيّ والجراد إذا وجده ويطحن قوته بيده شعيرا ، ثم يجعله بنخالته دقيقا في قدر مع ما وجد من بقل بريّ وغيره ، حتّى إنّه ربّما رمى بشيء منه لكلب أو هرّ ؛ فلا يأكله ، وكان لباسه يجمعه من خرق المزابل ويرقّعه ، وكان يتوطّأ الرمل ، وفي الشتاء يأخذ قفاف المعاصر الملقاة على المزابل يجعلها تحته ، قال ولده أبو الطّاهر : وكنّا إذا بقينا بلا شيء نقتاته ، كنت أسمعه في اللّيل يقول : [البسيط]
مالي تلاد ولا استطرفت من نشب |
|
وما أؤمّل غير الله من أحد |
إنّ القنوع بحمد الله يمنعني |
|
من التّعرّض للمنّانة النكد |
انتهى.
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)(٣٤)
وقوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) هذه الجماعة التي يقبل بعضها على بعض هي جنّ وإنس ؛ قاله قتادة (٢) ، وتساؤلهم هو على معنى التّقريع واللّوم والتّسخط ، والقائلون : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا) إما أن يكون الإنس يقولونها للشياطين ؛ وهذا قول مجاهد وابن زيد (٣) ، وإما أن يكون ضعفه الإنس يقولونها للكبراء والقادة ، واضطرب
__________________
(١) وقع في المطبوعة : «وقرأ خالد» ، وهو تحريف ، والصواب : خلق ، كما أثبتناه.
وينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٦٩)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٨١) برقم : (٢٩٣٢٧) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥١٥) ، وعزاه السيوطي لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٨١) برقم : (٢٩٣٢٨) عن مجاهد وبرقم : (٢٩٣٣١) عن ابن زيد ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦٩) عنهما ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥١٥) ، كلاهما عن مجاهد ، وعزاه السيوطي لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.