بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكان منها طائفة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ؛ فنفع الله بها النّاس ، فشربوا ، وسقوا ، وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنّما هي قيعان لا تمسك ماء ، ولا تنبت كلأ ؛ فذلك مثل من فقه في دين الله عزوجل ، ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله عزوجل الّذي أرسلت به» انتهى (١).
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) روي عن ابن عبّاس وقتادة في سببها : أنّ قوما من شباب المؤمنين وأغفالهم كثرت مناجاتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في غير حاجة ، وكان صلىاللهعليهوسلم سمحا ، لا يردّ أحدا ، فنزلت هذه الآية مشدّدة عليهم (٢) ، وقال مقاتل : نزلت في الأغنياء ؛ لأنّهم غلبوا الفقراء على مناجاة النبي صلىاللهعليهوسلم ومجالسته (٣) ، قال جماعة من الرواة : نسخت هذه الآية قبل العمل بها ، لكن استقر حكمها بالعزم عليه ، وصحّ عن عليّ أنّه قال : ما عمل بها أحد غيري ، وأنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين ، قال : ثم فهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ هذه العبادة قد شقّت / على الناس فقال لي : يا عليّ ، كم ترى أن يكون حدّ هذه الصدقة؟ أتراه دينارا؟ قلت : لا ، قال : فنصف دينار؟ قلت : لا ، قال : فكم؟ قلت : حبّة من شعير ، قال : إنّك لزهيد فأنزل الله الرخصة (٤) ، يريد للواجدين ، وأمّا من لم يجد فالرّخصة له ثابتة ؛ بقوله : «فإن لم تجدوا» قال الفخر (٥) : قوله عليهالسلام لعليّ : «إنّك لزهيد» معناه : إنك قليل المال ، فقدّرت على حسب حالك ، انتهى.
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٢١١) ، كتاب «العلم» باب : فضل من علم وعلّم (٧٩) ، ومسلم (٤ / ١٧٨٧) ، كتاب «الفضائل» باب : بيان مثل ما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم من الهدى والعلم (١٥ / ٢٢٨٢) ، والنسائي في «الكبرى» (٣ / ٤٢٧) ، كتاب «العلم» باب : مثل من فقه في دين الله تعالى (٥٨٤٣ / ١)
(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣١٠) ، وابن عطية (٥ / ٢٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٧٢) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.
(٣) ذكره البغوي (٤ / ٣١٠) ، وابن عطية (٥ / ٢٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٧٢) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧) ، كتاب «التفسير» باب : ومن سورة المجادلة ، حديث (٣٣٠٠) ، وقال : حسن غريب.
(٥) ينظر : «الفخر الرازي» (٢٩ / ٢٣٧)