قوله تعالى : (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) معناه احفظوا الوقت الّذي وقع فيه الطّلاق لما يترتّب على ذلك من الأحكام ، انتهى من «أحكامه» ، ثم أخبر تعالى بأنهنّ أحقّ بسكنى بيوتهن التي طلّقن فيها فنهى سبحانه عن إخراجهنّ وعن خروجهنّ ، وسنة ذلك ألا تبيت عن بيتها ولا تغيب عنه نهارا إلا في ضرورة وما لا خطب له من جائز / التصرّف ، وذلك لحفظ النسب والتحرّز بالنساء ، واختلف في معنى قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) فقال الحسن وغيره : ذلك الزّنا فيخرجن للحدّ (١) ، وقال ابن عبّاس : ذلك البذاء على الأحماء ، فتخرج ويسقط حقّها من المسكن ، وتلزم الإقامة في مسكن تتّخذه حفظا للنسب (٢) ، وفي مصحف (٣) أبيّ «إلا أن يفحشن عليكم» وعبارة الثعلبيّ : عن ابن عبّاس : «إلا أن تبذو على أهلها فيحلّ لهم إخراجها» ، انتهى ، وهو معنى ما تقدم ، وقرأ الجمهور : «مبيّنة» ـ بكسر الياء ـ ، تقول بان الشيء وبيّن بمعنى واحد إلا أن التضعيف للمبالغة ، وقرأ عاصم (٤) : «مبيّنة» ـ بفتح الياء ـ.
وقوله سبحانه : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية.
وقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) قال قتادة وغيره : يريد به الرّجعة ، أي : أحصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به تجدوا المخلّص إن ندمتم ؛ فإنكم لا تدرون لعلّ الرجعة تكون بعد (٥).
وقوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) يريد به آخر القروء ، (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) وهو حسن العشرة ، (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [وهو] أداء جميع الحقوق ، والوفاء بالشّروط حسب نازلة نازلة ، وعبارة الثعلبي : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي : أشرفن على انقضاء عدتهن ، انتهى وهو حسن.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ١٢٥ ـ ١٢٦) ، برقم : (٣٤٢٥٢) ، و (٣٤٢٥٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٢٣) ، وابن كثير (٤ / ٣٧٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٥٢) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٢٣) ، وابن كثير (٤ / ٣٧٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٥٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن راهويه ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن مردويه.
(٣) ينظر : «الكشاف» (٤ / ٥٥٥) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٢٣)
(٤) ينظر : «العنوان» (١٩٢) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٢٣) ، وإنما قرأ بها عاصم من رواية أبي بكر ، وكذلك قرأ بها ابن كثير.
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ١٢٨) ، بأرقام (٣٤٢٦٤ ، ٣٤٢٦٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٢٣) ، وابن كثير (٤ / ٣٧٨)