(كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(٣٠)
وقوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ ...) زجر وتذكير أيضا بموطن من مواطن الهول ، وهي حالة الموت الذي لا محيد عنه ، و (بَلَغَتِ) يريد : النفس و (التَّراقِيَ) جمع ترقوة ، وهي عظام أعلى الصدر ، ولكل أحد ترقوتان ، لكن جمع من حيث أنّ النفس المرادة اسم جنس ، والتراقي هي موارية للحلاقيم ، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزع الموت ـ يسّره الله علينا بمنّه ، وجعله لنا راحة من كلّ شرّ ـ واختلف في معنى قوله تعالى : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) فقال ابن عبّاس وجماعة : معناه : من يرقي ، ويطبّ ، ويشفي (١) ، ونحو هذا ممّا يتمناه أهل المريض ، وقال ابن عبّاس أيضا ، وسليمان التّيميّ ، ومقاتل : هذا القول للملائكة ، والمعنى : من يرقى بروحه ، أي : يصعد بها إلى السماء أملائكة الرحمة ، أم ملائكة العذاب (٢).
(وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) أي : أيقن ، وهذا يقين فيما لم يقع بعد ؛ ولذلك استعملت فيه لفظة الظن.
وقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال ابن المسيّب ، والحسن : هي حقيقة ، والمراد : ساقا الميّت عند تكفينه ، أي : لفّهما الكفن (٣) ، وقيل : هو التفافهما من شدة المرض ، وقيل غير هذا.
(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى)(٣٣)
وقوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) الآية : قال جمهور المتأولين : هذه الآية كلها إنّما نزلت في أبي جهل ؛ قال ـ عليهالسلام (٤) : ثم كادت هذه الآية أن تصرّح به في قوله :
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٧) ، وعزاه لعبد بن حميد عن ابن عبّاس بنحوه.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٣٤٦) ، رقم : (٣٥٦٨٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٠٦) ، وابن كثير (٤ / ٤٥١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٧) ، وعزاه لابن أبي الدنيا في ذكر الموت ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٣٤٨) ، رقم : (٣٥٧٠٦ ـ ٣٥٧٠٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٢٥) ، وابن عطية (٥ / ٤٠٦) ، وابن كثير (٤ / ٤٥١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن الحسن.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٠٦)