(٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٣٧)
وقوله عزوجل : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ...) الآية ، قرأ الجمهور : «نتبعهم» ـ بضم العين ـ على استئناف الخبر ، وروي عن أبي (١) عمرو : «نتبعهم» بجزم العين ؛ عطفا على «نهلك» وهي قراءة الأعرج ، فمن قرأ الأولى جعل الأولين الأمم التي تقدمت قريشا بأجمعها ، ثم أخبر أنّه يتبع الآخرين من قريش وغيرهم سنن أولئك إذا كفروا وسلكوا سبيلهم ، ومن قرأ الثانية جعل الأوّلين قوم نوح وإبراهيم ومن كان معهم ، والآخرين قوم فرعون وكلّ من تأخّر وقرب من مدّة النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي : في المستقبل ، فيدخل هنا قريش وغيرها ، وأمّا تكرار قوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في هذه السورة فقيل : ذلك لمعنى التأكيد فقط ، وقيل : بل في كلّ آية منها ما يقتضي التصديق ، فجاء الوعيد على التكذيب بذلك الذي في الآية ، والماء المهين : معناه الضعيف ، والقرار المكين : الرّحم وبطن المرأة ، والقدر (٢) المعلوم : هو وقت الولادة [ومعناه] معلوم عند الله ، وقرأ نافع والكسائيّ : «فقدّرنا» ـ بتشديد الدال ـ ، والباقون بتخفيفها ، وهما بمعنى من القدرة والقدر ومن التقدير والتوقيت.
* ت* : وفي كلام* ع* : تلفيف ، وقال غيره : فقدّرنا بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة ، وهو حسن.
وقوله : (الْقادِرُونَ) يرجّح قراءة الجماعة إلّا أنّ ابن مسعود روى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه فسّر «القادرون» بالمقدرين ، والكفات : الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع ؛ تقول : كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة ، والأرض تكفت الأحياء على ظهرها ، وتكفت الأموات في بطنها ، وخرج الشعبيّ إلى جنازة فنظر إلى الجبّانة فقال : هذه كفات الموتى ، ثم نظر إلى البيوت فقال : وهذه كفات الأحياء.
قال / * ع (٣) * : ولما كان القبر كفاتا كالبيت ، قطع من سرق منه ، والرواسي : الجبال ، والشوامخ : المرتفعة ، والفرات : الصافي العذب ، والضمير في قوله : (انْطَلِقُوا)
__________________
(١) وقرأ بها الأعرج كما في «المحتسب» (٢ / ٣٤٦).
وينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٦٧) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٤١٨) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣٩٧) ، و «الدر المصون» (٦ / ٤٥٦)
(٢) ينظر : «السبعة» (٦٦٦) ، و «الحجة» (٦ / ٣٦٥) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٢٨) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٩٣) ، و «العنوان» (٢٠٢) ، و «حجة القراءات» (٧٤٣) ، و «شرح شعلة» (٦١٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٨١)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤١٩)