كثيرا ، وينتفع منهم ، وينقل الكثير من أقوالهم ، سواء ذكر أنّ هذه الأقوال لهم ، أم لم يذكر ذلك ، بل حتى إنه لا يشير إليهم بمجرد إشارة ، وكانت طريقته على النحو الآتي :
أ ـ ينقل الأقوال مبينا أصحاب الأقوال : فمثلا عند تفسيره قول الله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) [الرعد : ١٧] ، ينقل أقوال العلماء ، فيقول : «قال أبو عمرو بن العلاء : أجفأت القدر ، إذا غلت فعلاها الزبد ، فإذا سكنت لم يبق منه شيء. وقال أبو عبيد الهروي : جفا الوادي ، وأجفأ : إذا ألقى غثاء على جانبيه ، وأجفأت القدر : إذا ألقت زبدها» (١).
ب ـ ينقل أقوال العلماء ، ولا يبين أصحاب الأقوال ، وإنما يذكر أن هذه الأقوال ليست له بل هي أقوال لغيره بقوله : «قيل». والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها ما جاء في تفسيره قول الله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] ، ففسره هو بأنه الصك يطوى ، ثم جاء بقول غير منسوب لأحد ، لكنه بيّنه بأنه منقول عن أحدهم ، فقال : «وقيل : السجل : الوراق الكاتب» (٢).
ج ـ يذكر معاني للكلمات وهي أقوال لعلماء سابقين له وموجودة في كتبهم من غير أن يشير إلى ذلك ، وأمثلتها كثيرة ، ومنها ما جاء في تفسير قول الله تعالى : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) [هود : ٦١] ، فيقول : «ويحتمل من قوله : أعمرته الدار ، أي : جعلتها له مدة عمره ، وهي العمرى» (٣) ، وهذا القول بنصه تقريبا في كتاب الغريبين لأبي عبيد ، لكنه لم يشر إلى ذلك. وكذلك عند تفسيره قول الله تعالى : (أَوْزِعْنِي) [النمل : ١٩] ، يقول : «ألهمني واجعلني مولعا بشكرك وبالعمل الصالح ، وفي الحديث : «كان موزعا بالسواك» ، أي مولعا به» (٤). وهذا القول موجود بنصه في كتاب الغريبين (٥) ، وغريب القرآن لابن قتيبة (٦).
وقد انتقيت هذه الأمثلة لأنه استشهد بأقوال أصحابها كثيرا ، وذكر أنها لهم ، وأخذ عنهم أقوالا كثيرة من غير أن يذكر أنها لهم.
المطلب الثاني
عنايته بالنحو
الألفاظ قوالب المعاني ، والمعاني تتغير تبعا لتغير حركات الإعراب ، فالموقع الإعرابي للكلمة يحدد معنى السياق اللغوي ، ومن عناية المؤلف رحمهالله تعالى بالعربية ، اهتمامه بالإعراب في تفسير كلمات القرآن ، وقد جاءت عنايته بالشكل الآتي :
__________________
(١) درج الدرر ٧٩.
(٢) درج الدرر ٢٩٥ ، وينظر : درج الدرر ١٤ ، ١٧ ، ٣٧ ، ٤١.
(٣) درج الدرر ١٨.
(٤) درج الدرر ٣٩٠.
(٥) ٦ / ١٩٩٥.
(٦) ٣٢٣.