٦٨ ـ (قالُوا حَرِّقُوهُ) : عن الواقديّ ، عن شيوخه قالوا : أمر نمرود بإبراهيم إلى السجن أولا ، فجلس سبع سنين ، وجعل إبراهيم يدعو أهل السجن إلى الله وعبادته حتى فشا أمره ، وأحبّه قوم على دينه ، ولم يدخلوا معه ، فجاء السجّان إلى الملك ، فقال : إنّ الملك (٢٢١ و) كان قد غضب على قوم في جيشه خالفوه ، فكانوا يطلبون رضاه ، ويأبى الملك ، فدخل إبراهيم السجن ، فدعاهم إلى عبادة إلهه ، فقد رأيتهم قد ركنوا إلى قوله وأحبوه ، وأنا أخاف أن يتّبعوا دينه ، ويتركوا دين الملك ، ما يرى في السجن صنما إلا كسره حتى هانت عليهم موجدة (١) الملك ، قالوا : ما نبالي لو قتلنا على هذا الدين ، فبلغ نمرود من ذلك ما شقّ عليه ، واغتاظ غيظا شديدا.
وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال نمرود لإبراهيم عليهالسلام : يا إبراهيم (٢) ، أيّة قتلة أقتلك ، وقد صنعت بآلهتنا ما صنعت؟ قال : فقال رجل من الأعراب ، وهم أكراد (٣) الجبل : حرّقوه بالنار ، قال نمرود : أصبت ، أصبت ما في نفسي ، ما رأيت كلمة أشفى لما أجد من كلمتك. وعن جابر ، عن عبد الله قال : سمعت الهرمزان يحدّث في عهد عمر رضي الله عنه قال : لّما أرادوا أن يحرقوا إبراهيم عليهالسلام جعلوا له جيرا خمسين (٤) في خمسين ، وطوله ستون (٥) ذراعا ، وعرضه عشرة أذرع ، وله أساس في الأرض عشرون ذراعا ، ثمّ نادى مناد : بعزيمة الملك على أهل مملكته أن يحملوا جزل الحطب (٦) ، فيلقوه في الجير ، فطرحوا فيه جزل الحطب خمس عشرة ليلة ، فلم يبق أحد إلا ألقى في الحطب ، فلما ساوى الحطب رأس الجيرة ، وجعل له بابان من حديد : باب يدخل فيه ، وباب يخرج منه لحمل الحطب ، فلما بني كذلك ، والبابان مسدودان أذاب عليهما النحاس ، وأوقد النار في الحطب حتى غشي اللهب المدينة ، وأظلم عليهم الدخان ، فصار كالسحاب ، وسمع للنار مثل وقع الحديد على الحديد ، وارتفع في السماء لهبها ، فلمّا أرادوا يلقونه (٧) فيها صاحت السماء والأرض وما بينهما إلا الثقلين : ربّنا ليس في أرضك هذه الواسعة سهلها وجبلها وبرّها وبحرها أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ فأذن لنا في نصره ، فقال تبارك وتعالى : إن دعا أحدا منكم فأغيثوه ، فإنّي قد أذنت لكم في ذلك ، وإن لم يدع غيري فأنا
__________________
(١) الموجدة : الغضب. لسان العرب ٣ / ٤٤٦.
(٢) ساقطة من أ.
(٣) أ : الواد.
(٤) ع : خمس. والجير : الجص إذا خلط بالنورة. لسان العرب ٤ / ١٥٧.
(٥) الأصل وك وأ : ستين.
(٦) جزل الحطب : ما عظم من الحطب ويبس. الصحاح ٤ / ١٦٥٥ ، ولسان العرب ١١ / ١٠٩.
(٧) هكذا في الأصول المخطوطة ، ولعلها : إلقاءه.