وليّه ، خلّوا بيني وبينه ، وأقبل إبراهيم عليهالسلام على الدعاء يقول : ربّ أنت واحد في السماء ، وأنا واحد في الأرض ، لا يعبدك أحد غيري ، يا أحد يا صمد ، بك أستعين ، وبك أستغيث ، وعليك أتوكّل ، حسبي الله ، لا إله إلا هو ، ونعم الوكيل ، إنّك تعلم أنّما عداوتي قومي فيك ، فانصرني عليهم ، ونجّني اليوم من النار (١) ، قال : فأوحى الله عزوجل إلى النار أن كوني بردا وسلاما ، فكانت (٢) كما قال الله تعالى (٣) ، فمكث في النار سبعة أيّام ، وبعث الله إليه ملك الظلّ في صورة إبراهيم ، فقعد فيها إلى جنب إبراهيم يؤنسه ، ثمّ إنّ عدوّ الله ركب مركبا له ، فمرّ بالنار وقد خبت ، وقد احترقت (٢٢١ ظ) الجدر ، وذاب النحاس والحديد ، وصار الوقد والبناء رمادا وأعاصير ، وكان الوطاويط ، يعني : الخطاطيف ، يومئذ تطفئ عن إبراهيم النار ، وكان الأوزاع تنتفخ عليه ، وتلهب عليه ، قال أصحاب الملك : ما بقي شيء قد أراحنا الله من عدوّنا ، وأهلكه بأسوء قتلة ، وشفى الملك منه ، وشفانا منه ، وصارت النار رمادا ، فأنغض نمرود برأسه وقال : إنّي رأيت في المنام كأنّما هدّ الجير ، وخرج إبراهيم من النار سليما ، يجمر (٤) لم (٥) يكلم ، وأنّا طلبناه فلم نقدر عليه ، فانظروا ، فإنّه سيخرج منها سليما لم يكلم ، قال أصحابه : أين ذهب الملك؟ إنّ الحلم (٦) ليصدق ويكذب ، ونظنّ (٧) ذلك يكذب ، قال نمرود : فابنوا لي صرحا على أشرف النار ، فأنظر في قعرها ، ففعلوا ، فأشرف عليها ، ورأى أنّ إبراهيم عليهالسلام جالسا ، ورأى رجلا مثله على صورته يروّح إبراهيم عليهالسلام فناداه نمرود : يا إبراهيم ، الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين النار ، هل تستطيع أن تخرج؟ قال إبراهيم : نعم (٨) ، فخرج إبراهيم ، فاجتمع الناس ، فقالوا : من الرجل الذي كان معك؟ قال : ملك الظلّ ، وهو الذي أيّدني ربّي به ، وأوحى الله إلى النار فقال : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) فكانت عليّ كما قال ، ثمّ خرج إبراهيم إلى أمّه حتى قعد إلى جنبها ، وهي في المجمع ، فأقبلت سارة بنت هارون ، وكانت أوّل من آمن بإبراهيم حتى جلست إلى جنبه إيمانا به ، وتعجّبا لما صرف عنه ، وقالت : إنّي آمنت بالذي جعل النار عليك بردا وسلاما ، فقالت لها أمّ إبراهيم : احذري القتل على نفسك ، قالت : وكيف
__________________
(١) (لا يعبدك أحد غيري .. ونجني اليوم من النار) ساقطة من ك.
(٢) مكررة في الأصل وأ.
(٣) ع : (قال فأوحى الله ... كما قال الله تعالى) ، متقدم (لا يعبدك أحد غيري ... ونجني اليوم من النار). أما في أ : فالقول الثاني ساقط.
(٤) يجمر : يسرع. ينظر : القاموس المحيط ١ / ٣٩٣.
(٥) الأصل وع وك : لهم.
(٦) ع : الحكيم.
(٧) الأصول المخطوطة : أظن.
(٨) ك : رأى.