أخاف شيئا وقد آمنت بربّ إبراهيم؟ إنّ الذي منع إبراهيم ممّا ترين لقادر على أن يمنعني ، قال : وقال نمرود لأصحابه : قد أخبرتكم بالرؤيا التي رأيت مع ما كنّا نجد في النجوم من ذكر إبراهيم وخلافه ، ما يبعد أنّه سيظهر ، وكانت حول إبراهيم عليهالسلام حين خرج من النار جماعة من الناس لا يحصى عددهم ، فهم يأتمرون به ليجدّدوا له عذابا آخر ، فأرسل الله تعالى ريحا عاصفا ، فنسفت رماد تلك النار عن وجه الأرض ، ثمّ ذرّته في وجوههم ، فخرجوا هاربين (١) مولّين ، وأرسل نمرود إلى إبراهيم عليهالسلام : أنّي مقرّب إلى ربّك قربانا لما رأيت (٢) من قدرته ، ولما صرف عنك ممّا أردناه بك وصنعنا بك من أشدّ أصناف العذاب ، وأهول (٣) القتل ، فأذبح له أربعة ألاف بقرة ، فقال إبراهيم : إذا لا يقبل منك شيئا ما كنت على دينك (٢٢٢ و) قال نمرود : يا إبراهيم ، لا تطيّب نفسي بفراق ملكي ، ولو أنّ قومي تركوا ملكي في يدي لتبعتك ، ولكنّ قومي يأبون ، وأنا أضنّ بملكي ، ولك أن لا تؤذى ولا تهاج ، فلم يهجه يومئذ ، ولم يتعرّض له. (٤)
وعن سفيان بن عيينة قال : لمّا وضع إبراهيم في المنجنيق جاءه جبريل عليهالسلام فقال : ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا ، ليست لي حاجة إلا إلى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إلى النار لئن نلت من إبراهيم أكثر من حلّ وثاقه لأعذبنّك عذابا لا أعذبه (٥) أحدا من خلقي. (٦)
قال : البرد خلاف الحرّ ، ويذكر ويراد به العافية والراحة ، كقولهم في الدعاء : اللهمّ أذقنا برد عفوك. قال : لو قال للنار : كوني بردا ، ولم يقل : سلاما لجمدت وأجمدت إبراهيم عليهالسلام ، ولو لم يقل : على إبراهيم لبطلت النار في الدنيا ، ولم تحرق (٧) شيئا بعد ذلك.
٧٠ ـ (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) : خسارهم : بقاؤهم في الضلالة ، وزوال ملكهم عند انقضاء آجالهم إلى بدل سوء.
روى الكلبيّ عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنّ إبراهيم لمّا خرج من النار سالما قال عمّه هارون (٨) أبو لوط : إنّما لم تحرقه النار لعبادتي إيّاها ، فحفظته فيّ ، فابنوا له أتونا ، واهلكوه بالدخان ، فإنّ الدخان لا وفاء له ولا حفاظ ، فبنوا أتونا ، وأوقدوا فيه نارا ، وأدخلوا فيه إبراهيم
__________________
(١) الأصل وك وأ : هازمين.
(٢) ع : رأت.
(٣) أ : وأهو.
(٤) ينظر : الكامل في التاريخ ١ / ٧٦.
(٥) الأصل وع وأ : أعذب.
(٦) ينظر : تاريخ دمشق ٦ / ١٨٣.
(٧) الأصول المخطوطة : تحترق.
(٨) الأصل وك وع : هارن ، وكذلك التي بعدها.