المطلب الثالث
عنايته بالبلاغة
البلاغة القرآنية هي روح المعاني ، في جوانبها دلائل الإعجاز ، وفي ميدانها يتسابق المتسابقون ، فأعرف الناس بالبلاغة أكثرهم فهما لكلام الله تعالى ، وما آمن العرب الفصحاء البلغاء إلا لطول باعهم ، وعلوّ كعبهم في بلاغة الكلام.
واعتنى المؤلف بفنون البلاغة ، واستند إليها في بيان معاني الآيات ، ويشمل ذلك موضوعات : علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع ، وإليك التفصيل والأمثلة :
أولا ـ علم المعاني : ويشمل :
أ ـ أسلوب التعريف :
من الأساليب البلاغية التي تقتضيها أحوال المخاطبين ، ويقصدها المتكلم ، ولها من الأسرار التي تضفي على الكلام روعة وجمالا لا يحدثه غيابهما. (١)
١ ـ التعريف ب (أل) التي تفيد الجنس : ومثالها ما جاء في تفسير قول الله تعالى : قال تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) [البقرة : ٧٤] ، إذ يقول : «الألف واللام في (كَالْحِجارَةِ) لاستغراق الجنس». (٢)
وكذلك في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ١١٠] يقول : والألف واللام في (الصلاة) و (الزكاة) للجنس. (٣)
٢ ـ التعريف ب (أل) لإفادة العهد : ففي تفسيره قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) [البقرة : ١٣٢] يقول : «والألف والام في (الدين) للمعهود لا للجنس». (٤) وفي قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٥١] يقول : «وقيل : الألف واللام للمعهود». (٥)
٣ ـ التعريف بضمير الشأن والقصة : وفائدته الدلالة على تعظيم المخبر عنه وتفخيمه بأن يذكر أولا مبهما ثم يفسر. (٦)
والمثال عليه ما جاء في تفسيره قول الله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ) [هود : ٣٦] إذ يقول في الضمير في قوله : (أَنَّهُ): «الهاء ضمير الأمر والشأن» (٧). وكذلك في قوله تعالى : (وَهُوَ
__________________
(١) ينظر : البلاغة فنونها وأفنانها ـ علم المعاني ٢٩٥.
(٢) الأصل (١٨ ظ).
(٣) الأصل (٢٨ ظ).
(٤) الأصل (٣٤ ظ).
(٥) الأصل (١٣ و).
(٦) الإتقان في علوم القرآن ١ / ٥٥٢.
(٧) درج الدرر ١٢.