مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) [البقرة : ٨٥] يقول : «وقيل : هو ضمير الأمر والشأن». (١)
ب ـ التقديم والتأخير :
وهو باب من أبواب البلاغة قال عنه عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز (٢) : «هو باب كثير الفوائد ، جم المحاسن ، واسع التصرف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفتر لك عن بديعة ، ويلطف لديك موقعه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أن قدم فيه شيء ، وحول اللفظ عن مكان إلى مكان» ، والمؤلف رحمهالله تعالى وقف مع بعض آيات الكتاب الكريم مبينا ما فيها من أسرار أسلوب التقديم والتأخير مشتملا على أمرين :
الأمر الأول : التنبيه على وجود تقديم وتأخير ، وبيان أسراره في الآية.
الأمر الثاني : الاكتفاء بالإشارة إلى وجود هذا الأسلوب في الآية الكريمة متخذا منه وسيلة لفهم المعنى من غير تعقيب.
والأمثلة عليه كثيرة منها :
فمن النوع الأول : ما جاء في قول الله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود : ٣] إذ يقول : «وإنما قدم الاستغفار على التوبة لأن الإنسان يستقبح الشر ويعرض عنه مستغفرا ، ثم يستفتح الخير ويقبل عليه مستوفيا» (٣).
وعند تفسيره قول الله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [البقرة : ٦٥] ، إذ يقول :
«(خاسِئِينَ) متباعدين على الذلّ والصّغار ، وتقديره : خاسئين قردة ، وإلا يقال قردة خاسئة ، لكن التقديم لوفق رؤوس الآي». (٤)
وفي قوله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ) [الكهف : ١ ـ ٢] ، يقول : «وفيها تقديم وتأخير ، تقديرها : أنزل على عبده الكتاب قيّما ، ولم يجعل له عوجا» (٥). وكذلك في قوله تعالى : (رَسُولاً نَبِيًّا) [مريم : ٥١] ، يقول : «على التقديم والتأخير ، لاعتبار نظم الآي ، ومعناه أنه كان نبيّا رسولا» (٦).
ومن النوع الثاني : ما جاء في تفسير قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا) [النور : ٢٧] يقول : «وفيه تقديم وتأخير ، أي : حتى تسلموا وتستأنسوا» (٧).
وعند قوله تعالى : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] يقول : «وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره :
__________________
(١) الأصل (٢٠ ظ).
(٢) ١٠٦.
(٣) درج الدرر ٤.
(٤) الأصل (١٦ ظ).
(٥) درج الدرر ١٨٦.
(٦) درج الدرر ٢٢٩.
(٧) درج الدرر ٣٣٨.