كان يخبز له في مطبخه كلّ يوم ستّ مئة كرّ (١) حنطة ، ويذبح له كلّ غداة ستة آلاف ثور ، وعشرون ألف شاة ، فكان يطعم الناس ، ويجلس معه على مائدته خاصّة اليتامى والمساكين وأبناء (٢) السبيل ، ويقول : مسكين بين مساكين ، قال : ولّما فرع سليمان من بناء بيت المقدس ومسجدها ، تجهّز فسار تحمله وجنوده الريح ، وتظلّهم الطير ، فوغل في البادية حتّى جعل وراءه أرض تهامة ، ووافى الحرم ، فذبح للبيت طول مقامه بمكة كلّ يوم خمسة آلاف ناقة ، وخمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حوله من أشراف قومه : إنّ هذا مكان (٣) يخرج منه نبيّ عربيّ ، صفته كذا وكذا يعطى النصر على جميع من ناوأه ، ويكون سيفه سطوة على من خالفه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحقّ سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ثمّ قالوا : فبأيّ دين يخرج؟ قال : بدين الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدّقه ، قالوا : وكم بيننا وبينه؟ قال : زهاء ألف عام ، فليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، فإنّه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل ، وإنّ اسمه لمكتوب (٢٤٨ و) في زبر الأنبياء الماضين عليهمالسلام. فأقام بمكة أيّاما حتى قضى حجّه ، ثمّ سار نحو أرض اليمن يوم نجم سهيل ، فخرج من مكة صباحا ، فوافى أرض صنعاء وقت الزوال ، وذلك مسيرة شهر ، فتفقّد الطير التي كانت تظلّه ، وجمع من كان معه من أصحابه ، فرأى مكان الهدهد خاليا ليس فيه الهدهد ، فقال (٤) : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ ...) إلى آخر الآيتين ، قال : وكان تعذيبه الطير نتفه ريشه لئلا يقدر على الطيران ، وكانت قصّة الهدهد أنّه نظر إلى هدهد ساقطا على شجرة ، فانقضّ نحوه ليسأله عن خبر تلك الأرض ، فقال له : أيّة أرض هذه؟ قال : هذه أرض سبأ ، قال : فمن هذا الملك الذي سخّر له ما أرى من الريح والشياطين والطير؟ فإنّي لم أر من الناس أعطي مثل ما أعطي هذا؟ قال : هذا سليمان بن داود عليهماالسلام ، قال : وإنّه لهو؟ قال : نعم ، قال : فأين هو من ملكة هذه الأرض؟ قال هدهد سليمان (٥) : ومن هي؟ قال : بلقيس بنت الهدهاد (٦) الحميريّة ، فإنّها أعطيت من الملك والسلطان ما لم يعط أحد ممّن مضى من ملوك هذه الأرض ، قال : فانطلق حتى ترينيها ، فانطلق معه ، فأراها (٧) إيّاها ، وهي في قصر لها بصنعاء ، أمرت ببنائه على رؤوس الأساطين من الرخام ، كلّ أسطوانة طولها خمسون ذراعا قد نصبت فوق ، وحملتها خمس مئة ، وبين كلّ اسطوانتين عشرة أذرع ، وعليها
__________________
(١) الكر : ستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمكوك صاع ونصف ، وبهذا يكون الكرّ ٧٢٠ صاعا. اللسان ٥ / ١٣٧.
(٢) ع : وابن.
(٣) أ : فكان.
(٤) ساقطة من ع.
(٥) (قال : وإنه لهو؟ قال : نعم ، قال ... قال هدهد سليمان) ساقطة من ع.
(٦) ع : الهدهد.
(٧) أ : وأراها.