على سبيل الاستهزاء وقلّة المبالاة ، كقول آخرين : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأحقاف : ٢٢] ، وقال : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ (٢٧١ و) مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ (١) ...) الآية [الأنفال : ٣٢]. والثاني : أنّهم تبرّموا بالعافية ، فحملهم السّفاهة على أن يشتهوا البلاء ، كقول بني إسرائيل : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ ...) الآية [البقرة : ٦١]. (٢)
(فَجَعَلْناهُمْ (٣) أَحادِيثَ) : له معنيان على سبيل المجاز : أحدهما : أنّ الله عزوجل جعل أخبارهم مستفيضة يتحدّث النّاس على سبيل الاعتبار. (٤) والثاني : أنّ الله تعالى خرّب ديارهم ومحا آثارهم وأبقى أخبارهم ، فكأنّهم صاروا أحاديث ، يعني (٥) : على الحقيقة ، وهو تقليب الجوهر عرضا ، وبقاء العرب من سبيل هؤلاء ، ليس يخالف الآية ؛ لأنّ الله تعالى إذا أهلك قوما أنشأ من ذرّيّتهم قوما آخرين ، هذه سنّة الله في عباده.
٢٠ ـ (وَلَقَدْ (٦) صَدَّقَ عَلَيْهِمْ) : الظاهر أنّهم في شأن آل سبأ. (٧) ويحتمل : في شأن جميع النّاس. (٨)
٢١ ـ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) : له معنيان : أحدهما : التّمكّن من غرورهم ووسوستهم (٩) بتمكين. (١٠) والثاني (١١) : الشّبهة التي خلقها الله تعالى ليستدلّ بها الشّيطان فيما يوسوس به النّاس ، فيريه (١٢) أنّها البرهان.
٢٢ ـ (زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) : أنّهم آلهة (١٣) ، فبيّن الله تعالى أنّهم لا يملكون شيئا ، وهم
__________________
(١) ((مِنَ السَّماءِ)) غير موجود في ع.
(٢) ينظر : زاد المسير ٦ / ٢٤٠ ، وتفسير البيضاوي ٤ / ٢٤٥ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٩٠ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٢٩.
(٣) الأصول المخطوطة : وجعلناهم.
(٤) ينظر : الوسيط ٢ / ٨٢ ، ومعاني القرآن ٥ / ٤١١ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٢٩.
(٥) أ : يعني.
(٦) ع : لقد.
(٧) ينظر : زاد المسير ٦ / ٢٤٢ ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٣٠.
(٨) ينظر : تفسير القرطبي ١٤ / ٢٩٢ ، وتفسير أبي السعود ٧ / ١٣٠.
(٩) أ : وسوستهم.
(١٠) ينظر : زاد المسير ٦ / ٢٤٢ ، و ٤ / ٣٠٦ عن سليمان الدمشقي ، وتفسير القرطبي ١٤ / ٢٩٣.
(١١) الأصول المخطوطة : الثالث ، والصواب ما أثبت.
(١٢) ك : ويريه.
(١٣) بياض في أ.