محمد ، إن لك أن تراجع ، ولقد أصبت حيث ذكرت آلهتنا بخير ، فاغتم رسول الله ، وجلس في بيته حزينا ، فلما أتاه جبريل عليهالسلام قرأ عليه سورة والنجم ، قال : ما جئتك بهاتين الكلمتين ، فقال عليهالسلام : قلت عليه ما لم أقل فأنزل. وهذا حديث باطل بلا شك ، موضوع مختلق على النبي عليهالسلام. (١)
ولم يكن المؤلف رحمهالله تعالى يميز بين ما كان سببا للنزول حقيقة أو كان في حكم سبب النزول ، فإنه يستعمل تعبير «فنزلت الآية ، فنزل قوله ..» ، وهذا ليس بكاف على كون هذا الحدث سببا لنزول هذه الآية أو تلك ، فقد تكون الحادثة التي قال إنها سبب للنزول حادثا حدث في الجاهلية أو بعد نزول الآية فتلاها النبي عليهالسلام ليبين أن حكم هذه الحادثة كحكم الآية التي نزلت بسببها هذه الآية ، أو أن الصحابي قرأ الآية ليدل على ذلك أيضا. والأمثلة على ذلك كثيرة :
ففي سورة النحل وعند تفسيره الآية : (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ ...) [النحل : ٥٩] ، وبعد بيان معنى الدس ، يقول : «كانوا يقتلون أؤلادهم خشية إملاق ، فأنزل : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)) [التكوير : ٨]» (٢).
وهذا ليس سببا للنزول ، أعني : أنه لم تحدث هذه الحادثة فنزل القرآن ليحرم هذه المسألة ، وإنما كانت تحدث في الجاهلية كوضع عام سائد ، فجاء القرآن الكريم محرما لها ابتداء ليعالج هذه الحالة من حالات المجتمع الجاهلي.
قوله بتعدد النزول :
فقد ذكر في معرض كلامه عن قول الله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)) [الحجر : ٢٤] ، هل هي مكية أو مدنية بعد أن يذكر رواية عن ابن عباس أن الآية نزلت بالمدينة ، في الذين قصدوا بيع دورهم القاصية عن المسجد ، واشتروا دورا قريبة من المسجد ، لازدحامهم على الصف الأول. يقول : «فعلى هذا القول مكية ، أي سورة الحجر ، إلا هذه الآية ، أو الآية نزلت مرتين» (٣).
والقول بتعدد النزول أكثر من مرة ، هو محاولة للتخلص من قبول بعض الأقوال وردّ بعضها الآخر ، مع صعوبة الجمع بينهما ، فيصار إليهما جميعا ، والحكم عند ذلك بتعدد النزول.
وهذا الكلام غير مقنع البتة ، فقد ذكر الآلوسي الاعتراض على القول بتعدد النزول بعد أن عرف النزول بأنه ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة ، والظهور بها لا يقبل التكرار ، فإن ظهور
__________________
(١) درج الدرر ١٦٧ ـ ١٦٨.
(٢) درج الدرر ١٢٥.
(٣) درج الدرر ١٠٥.