وفي درج الدرر نجد المؤلف رحمهالله تعالى يهتم بهذا الموضوع اهتماما كبيرا ، فكل سورة يريد تفسيرها يكون أول شيء يتحدث عنه هو مكية السورة ومدنيتها ، وله في ذلك أكثر من أسلوب ، ومن ذلك :
١ ـ أن تكون السورة مكية ، فيذكر ذلك ، مثل سورة الحجر وفي أولها يقول : «مكية» (١). وكذلك مريم (٢) وطه (٣).
ففي سورة الحجر جزم بمكية السورة ، ولم يستثن شيئا منها بأنه مدني ، لكن هذا يتعارض مع الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما ، والذي يتبين منه أن في السورة آية مدنية ، وهي قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)) [الحجر : ٢٤]. وهذا ما ذكره المؤلف عند تفسير هذه الآية ، ولم يذكره في مقدمة السورة ، عند بيانه مكية السورة.
٢ ـ أن تكون السورة مدنية عنده ، مثل : سورة النور (٤) وآل عمران (٥) ، وفي أول حديثه عنهما يقول : «مدنية» ، وفي هذين الأسلوبين يتبنى هذا القول ، فلا يذكر رأيا آخر مغايرا لهذا الرأي.
٣ ـ تكون السورة مكية ، لكنه لا يتبنى هذا الرأي ، فيقول في أول سورة المؤمنون : «مكية في قولهم» (٦) ، ولم يعط رأيا مغايرا أو موافقا لهذا الرأي.
٤ ـ لكن أكثر السور القرآنية قد ذكر فيها اختلافا وأقوالا ، لكنه يتبنى رأيا معينا في أول السورة ، ثم يذكر الآراء المخالفة ، ففي بداية سورة الأعراف يصدر القول بمكية السورة ، ثم يروي عن ابن عباس وقتادة إلا خمس آيات نزلن بالمدينة ، قوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ). (٧) هكذا من غير أن يوضح الآيات الخمس. وكذلك في مطلع سورة يونس عليهالسلام بعد أن يؤكد أن السورة كلها مدنية ، يذكر رواية عن ابن عباس يستثني من مكية السورة ثلاث آيات وهي : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) الآيات [يونس : ٩٤] ، ويأتي برواية أخرى من غير أن ينسب القول لصاحبه فيقول : الآية نزلت في يهود المدينة ، وهي قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) [يونس : ٤٠]. (٨)
٥ ـ وقد يذكر مكان نزول الآية : مثل نزول قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام : ١٥١] ، فينقل عن عطاء أن السورة مكية إلا ثلاث آيات ، هذه الآية وما
__________________
(١) درج الدرر ٩٨.
(٢) درج الدرر ٢١٨.
(٣) درج الدرر ٢٤٤.
(٤) درج الدرر ٣٢٩.
(٥) الأصل (٦١ ظ).
(٦) درج الدرر ٣١٧.
(٧) الأصل (١١٠ و).
(٨) الأصل (١٥٢ ظ).