وبعضها بتلقين الموتى ، (١) وهذه السّور (٢) بالتّرهيب ، والتشيب للطيفة من القوي ، كما بلغنا أنّ بعض أهل الإلحاد تصوّر (٣) له أنّه يحاكي القرآن بهذيان ، فلمّا انتهى إلى قوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤] ، انشقّت مرارته.
والثاني : أنّ هذه السّور كلّهن مكيّات ، فلعلّهنّ (٤) نزلن أيّام النّفير إلى الشّعب (٥) ، وأيّام وفاة خديجة (٦) ، رضي الله عنها ، وأبي طالب (٧) ، فقوله : «شيّبتني هود وأخواتها» من كثرة ما لقي (٨) من مكروه المشركين.
والثالث : أنّ نزول الوحي عليه (٩) قد كان سهلا ، وقد كان ثقيلا. روي أنّ النّبيّ عليهالسلام كان إذا نزل عليه الوحي يتبرّد وجهه ، ويجد بردا في ثناياه. (١٠) وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، [عن أبي أروى الدوسي (١١) رضي الله عنه](١٢) قال : رأيت الوحي ينزل على النّبيّ عليهالسلام وإنّه على راحلته ، فترغو ، وتفتل يديها حتى أظنّ أنّ ذراعها تنفصم (١٣) ، فربّما بركت ، وربّما قامت موتّدة (١٤) يديها حتى يسرّى عنه ؛ من ثقل الوحي ، وإنّه ليتحدّر (١٥) منه مثل الجمان (١٦). (١٧) فيحتمل : أنّ جبريل عليهالسلام أنزل عليه سورة هود ، وأخواتها على هذه الطّريقة الشّديدة ؛ فلذلك شيّبنه.
__________________
(١) كسورة يس ، إذ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرؤوا (يس) على موتاكم». ينظر : مسند أحمد ٥ / ٢٦ ، والنسائي في اليوم والليلة ٥٨١ ، وهبة الرحمن الرحيم من جنة النّعيم ٦٣.
(٢) ك وأ : السورة.
(٣) ك : يتصور.
(٤) ك : فكأنهن.
(٥) النفير إلى الشعب هو عند ما حوصر النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه وبني هاشم في شعب أبي طالب ، وهي أيام ثقيلة على المسلمين ، ينظر : دلائل النبوة للبيهقي ٢ / ٣١١ ، وسبل الهدى والرشاد ٢ / ٥٠٢.
(٦) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية ، زوج النبي صلىاللهعليهوسلم ، أول من صدق به ، وهي خير نساء العالمين ، توفيت سنة (١٠ للبعثة). ينظر : تاريخ الطبري ٢ / ٨١ ، والبداية والنهاية ٣ / ٢٥٥ ، والإصابة ٤ / ٢٨١.
(٧) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد المناف بن قصي القرشي الهاشمي ، عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، شقيق أبيه ، أمهما فاطمة بنت عمرو ، اشتهر بكنيته ، توفي في السنة العاشرة من البعثة. ينظر : تاريخ الطبري ١ / ٤٣٧ ، والسيرة النبوية ٢ / ١٦٦ ، وحدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلّى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار ١ / ٣٣٢.
(٨) ساقطة من ك.
(٩) ك : علي ، وكذا ترد قريبا.
(١٠) جزء من حديث طويل أخرجه في الطبقات الكبرى ٨ / ٣٧٩ ، عن عائشة.
(١١) لا يعرف اسمه ولا نسبه ، وكانت له صحبة ، وكان ينزل ذا الحليفة. ينظر : الإصابة ٤ / ٥.
(١٢) زيادة من الطبقات الكبرى ١ / ١٩٧ ، وصفوة الصفوة ١ / ٨٤.
(١٣) ك : ينفصم.
(١٤) وتد فلان رجله في الأرض إذا ثبتها. لسان العرب ٣ / ٤٤٤.
(١٥) ليتحدّر : ينزل ويقطر. المجموع المغيث ١ / ٤١٢ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٥٢.
(١٦) الجمان : هو اللؤلؤ الصغار. وقيل : حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ٥ / ٢٠٩٢ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣٠١ ، ولسان العرب ١٣ / ٩٢.
(١٧) ينظر : صفوة الصفوة ١ / ٤٨ ، والطبقات الكبرى ١ / ١٩٧. ولهذا الحديث شاهد في الصحيحين ، صحيح البخاري (٢٦٦١) ، وصحيح مسلم (٢٢٧٠) : من حديث عائشة ، رضي الله عنها.