ولهم في ذلك اليوم من كلّ سنه زياره لمشهد أمير المؤمنين ، لا يقلّ المجتمعون فيها عند ضراحه عن مئه ألف ، ياتون من كلّ فجّ عمیق لیعبدوا اللّٰه بما كان يعبده في مثل ذلك اليوم أئمّتهم الميامین ، من الصوم والصلاه والإنابه إلی اللّٰه ، والتقرّب إليه بالمبرّات والصدقات ، ولا ينفضّون حتّی يحدقوا بالضراح الأقدس فیلقوا ـ في زيارته ـ خطاباً مأثوراً عن بعض أئمّتهم ، يشتمل علی الشهاده لأمير المؤمنين بمواقفه الكریمه ، وسوابقه العظیمه ، وعنائه في تأسيس قواعد الدين ، وخدمه سيّد النبيّين والمرسلين ، إلی ما له من الخصائص والفضائل التی منها عهد النبيّ إليه ، ونصّه يوم الغدير عليه ..
هذا دأب الشيعه في كلّ عام ، وقد استمرّ خطباؤهم علی الإشاده في كلّ عصر ومصر بحديث الغدير مسنداً ومرسلاً ، وجرت عاده شعرائهم علی نظمه في مدائحهم قديماً (١) وحديثاً ..
فلا سبيل إلی التشكيك في تواتره من طريق أهل البيت وشیعتهم ؛ فإنّ دواعیهم لحفظه بعین لفظه ، وعنایتهم بضبطه وحراسته ونشره وإذاعته ، بلغت
__________________
(١) قال الكميت بن زيد :
ويوم الدوح دوح غدير خمّ |
|
أبان له الولايه لو أطيعا .. الخ |
وقال أبو تمام من عبقريتة الرائية ، وهی في ديوانه :
ويوم الغدير استوضح الحقّ أهله |
|
بفيحاء لا فيها حجاب ولا سرّ |
أقام رسول اللّٰه يدعوهم بها |
|
ليقربهم عرف وينآهم نكرُ |
يمد بضبعيه ويعلم أنّه |
|
ولي ومولاكم فهل لكم خبرٌ؟ |
يروح ويغدو بالبيان لمعشر |
|
يروح بهم غمر ويغدو بهم غمرُ |
فكان له جهر بإثبات حقّه |
|
وكان لهم في برّهم حقّه جهرُ |
أثمّ جعلتم حظّه حدّ مرهف |
|
من البيض يوماً حظّ صاحبه القبرُ |