«سلّمنا إنّه (أولي) لكنْ لا نسلّم أنّ المراد أنّه أولي بالإمامه ، بل بالاتّباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالی : (إِنَّ أَولي النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ) ، ولا قاطع بل ولا ظاهر علی نفي هذا الاحتمال ، بل هو واقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ، وناهیك بهما في الحديث ، فإنّهما لمّا سمعاه قالا له : أمسیت يا ابن أبي طالب مولي كلّ مؤمن ومؤمنه. أخرجه الدارقطني ..
وأخرج أيضاً أنّه قيل لعمر : إنّك تصنع بعلی شيئاً لا تصنعه بأحدٍ من أصحاب النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم؟ فقال : إنّه مولأي» (١).
ولقد فُسّر «المولي» في قوله تعالی : (وَلِكلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِیَ ...) ب : «الوارث الأولي» ضمن وجوهٍ عدیده ؛ قال الرازي : «وكلّ هذه الوجوه حسنه محتمله» (٢).
وسادساً : إنّه قد جوّز غير واحدٍ من كبار علماء القوم أن يكون «بالتصرّف» صله للفظه «الأولي» ، إلّا أنّهم توهّموا أن ذلك يستلزم أن يكون الإمام عليه السلام متصرّفاً في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ؛ فقال القاری بشرح حديث الغدير : «في شرح المصابیح للقاضی : قالت الشيعه : المولي هو المتصرّف ، وقالوا : معني الحديث أنّ عليّاً رضي اللّٰه عنه يستحقّ التصرّف في كلّ ما يستحقّ الرسول صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم التصرّف فيه ، ومن ذلك أُمور المؤمنين ، فيكون إمامهم. قال الطیّبی : لا يستقیم أن يحمل الولايه علی الإمامه التی هی التصرّف في أُمور المؤمنين ؛ لأنّ المتصرّف المستقلّ في حياته صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم هو لا غير ، فیجب أن يحمل علی المحبّه وولاء الإسلام ونحوهما» (٣).
__________________
(١) الصواعق المحرقه : ٦٧.
(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٨٦.
(٣) مرقاه المفاتیح ٥ : ٥٦٨.