يذكرنا ، فنزل فيها ذكر النساء (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الإسلام هو الانقياد ، والإيمان هو التصديق ، ثم إنهما يطلقان بثلاثة أوجه باختلاف المعنى كقوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) وبالاتفاق لاجتماعهما كقوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية ، وبالعموم فيكون الإسلام أعم ، لأنه بالقلب والجوارح ، والإيمان أخص لأنه بالقلب خاصة ، وهذا هو الأظهر في هذا الموضع (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) يحتمل أن يكون بمعنى العبادة أو الطاعة (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ) يحتمل أن يكون من صدق القول أو من صدق العزم.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) الآية : معناها أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله ، بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله ، والضمير في قوله من أمرهم : راجع إلى الجمع الذي يقتضيه قوله لمؤمن ولا مؤمنة لأن معناه العموم في جميع المؤمنين والمؤمنات ، وهذه الآية توطئة للقصة المذكورة بعدها ، وقيل : سببها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب امرأة ليزوجها لمولاه زيد بن حارثة ، فكرهت هي وأهلها ذلك ، فلما نزلت الآية قالوا : رضينا يا رسول الله ، واختلف هل هذه المخطوبة زينب بنت جحش أو غيرها ، وقد قيل : إنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) هو زيد بن حارثة الكلبي ، وإنعام الله عليه بالإسلام وغيره ، وإنعام النبي صلىاللهعليهوسلم بالعتق وكانت عند زيد زينب بنت جحش وهي بنت أميمة عمة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فشكا زيد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم سوء معاشرتها وتعاظمها عليه ، وأراد أن يطلقها ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أمسك عليك زوجك واتق الله ، يعني فيما وصفها به من سوء المعاشرة ، واتق الله ولا تطلقها فيكون نهيا عن الطلاق على وجه التنزيه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : أبغض المباح إلى الله الطلاق (١) (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) الذي أخفاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر جائز مباح لا إثم فيه ولا عتب ، ولكنه خاف أن يسلط الله عليه ألسنتهم وينالوا منه ، فأخفاه حياء وحشمة وصيانة لعرضه ، وذلك أنه روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان حريصا على أن يطلق زيد زينب ليتزوجها هو صلىاللهعليهوسلم لقرابتها منه ولحسبها ، فقال : أمسك عليك زوجك وهو يخفي الحرص عليها خوفا من كلام الناس ، لئلا يقولوا : تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه ، فالذي أخفاه صلىاللهعليهوسلم هو إرادة تزوجها ، فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوّجها ، فقالت عائشة : لو كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية لشدتها عليه ،
__________________
(١). ذكره المناوي في التيسير وعزاه لأبي داود وابن ماجة عن ابن عمر ولفظه أبغض الحلال.