كيف ذلك ولم يتقدم لهم ذكر يعود الضمير عليه؟ فالجواب أنه قد وقعت إليهم إشارة بقوله (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) لأن بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فذكر الشفاعة يقتضي ذكر الشافعين ، فعاد الضمير على الشفعاء الذين دل عليهم لفظ الشفاعة ، فإن قيل : بم اتصل قوله حتى إذا فزّع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غائية؟ فالجواب أنه اتصل بما فهم من الكلام من أن ثم انتظارا للإذن ، وفزعا وتوقفا حتى يزول الفزع بالإذن في الشفاعة ، ويقرب هذا في المعنى من قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [عمّ : ٣٨] ولم يفهم بعض الناس اتصال هذه الآية بما قبلها فاضطربوا فيها حتى قال بعضهم : هي في الكفار بعد الموت ، ومعنى فزع عن قلوبهم : رأوا الحقيقة ، فقيل لهم : ماذا قال ربكم؟ فيقولون : قال الحق. فيقرّون حيث لا ينفعهم الإقرار ، والصحيح أنها في الملائكة لورود ذلك في الحديث ، ولأن القصد الردّ على الكفار الذين عبدوا الملائكة ، فذكره شدّة خوف الملائكة من الله وتعظيمهم له.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ) سؤال قصد به إقامة الحجة على المشركين (قُلِ اللهُ) جواب عن السؤال بما لا يمكن المخالفة فيه ، ولذلك جاء السؤال والجواب من جهة واحدة (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هذه ملاطفة وتنزل في المجادلة إلى غاية الإنصاف كقولك : الله يعلم أن أحدنا على حق وأن الآخر على باطل ، ولا تعين بالتصريح أحدهما ، ولكن تنبه الخصم على النظر حتى يعلم من هو على الحق ومن هو على الباطل ، والمقصود من الآية أن المؤمنين على هدى ، وأن الكفار على ضلال مبين (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) إخبار يقتضي مسالمة نسخت بالسيف (يَفْتَحُ بَيْنَنا) أي يحكم ، والفتاح الحاكم (قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) إقامة حجة على المشركين ، والرؤية هنا رؤية قلب فشركاء مفعول ثالث ، والمعنى أروني بالدليل والحجة من هم له شركاء عندكم ، وكيف وجه الشركة ، وقيل : هي رؤية بصر ، وشركاء حال من المفعول في ألحقتم كأنه قال : أين الذين تعبدون من دونه وفي قوله : (أَرُونِيَ) تحقير للشركاء وازدراء بهم ، وتعجيز للمشركين ، وفي قوله : (كَلَّا) ردع لهم عن الإشراك ، وفي وصف الله بالعزيز الحكيم : ردّ عليهم بأن شركاءهم ليسوا كذلك.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) المعنى أن الله أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى جميع الناس ، وهذه إحدى الخصال التي أعطاه الله دون سائر الأنبياء ، وإعراب كافة حال من الناس قدمت للاهتمام ، هكذا قال ابن عطية ، وقال الزمخشري : ذلك خطأ لأن تقدم حال المجرور عليه