لا يجوز ، وتقديره عنده : وما أرسلناك إلا رسالة عامة للناس ، فكافة صفة للمصدر المحذوف ، وقال الزجّاج : المعنى أرسلناك جامعا للناس في الإنذار والتبشير ، فجعله حالا من الكاف ، والتاء على هذا للمبالغة كالتاء في راوية وعلّامة (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) يعني يوم القيامة ، أو نزول العذاب بهم في الدنيا ، وهو الذي سألوا عنه على وجه الاستخفاف ، فقالوا : متى هذا الوعد (وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل ، وإنما قال الكفار هذه المقالة ، حين وقع عليهم الاحتجاج بما في التوراة ، من ذكر محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : الذي بين يديه يوم القيامة وهذا خطأ وعكس ؛ لأن الذي بين يدي الشيء هو ما تقدم عليه.
(وَلَوْ تَرى) جواب لو محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) أي يتكلمون ويجيب بعضهم بعضا (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) أي كفرتم باختياركم لا بأمرنا (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) المعنى أن المستضعفين قالوا للمستكبرين : بل مكركم بنا في الليل والنهار سبب كفرنا ، وإعراب مكر مبتدأ وخبره محذوف ، أو خبر ابتداء مضمر ، وأضاف مكر إلى الليل والنهار على وجه الاتساع ، ويحتمل أن يكون إضافة إلى المفعول أو إلى الفاعل على وجه المجاز : كقولهم : نهاره صيام وليله قيام أي يصام فيه ويقام ، ودلت الإضافة على كثرة المكر ودوامه بالليل والنهار ، فإن قيل : لم أثبت الواو في قول الذين استضعفوا دون قول الذين استكبروا؟ (١) فالجواب أنه قد تقدم كلام الذين استضعفوا قبل ذلك فعطف عليه كلامهم الثاني ، ولم يتقدم للذين استكبروا كلام آخر فيعطف عليه (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أي أخفوها في نفوسهم ، وقيل : أظهروها فهو من الأضداد ، والضمير لجميع المستضعفين والمستكبرين (مُتْرَفُوها) يعني أهل الغنى والتنعم في الدنيا ، وهم الذين يبادرون إلى تكذيب الأنبياء ، والقصد بالآية تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على تكذيب أكابر قريش له (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) الضمير لقريش أو للمترفين المتقدمين : قاسوا أمر الدنيا على الآخرة ، وظنوا أن الله كما أعطاهم الأموال والأولاد في الدنيا لا يعذبهم في
__________________
(١). المقصود بالواو في قوله : وقال الذين استضعفوا وفي الآية قبلها : قال الذين استكبروا بدون واو.