الآخرة (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) إخبار يتضمن الردّ عليهم بأن بسط الرزق وقبضه في الدنيا معلق بمشيئة الله ، فقد يوسع الله على الكافر وعلى العاصي ، ويضيق على المؤمن والمطيع ، وبالعكس ، فليس في ذلك دليل على أمر الآخرة (زُلْفى) مصدر بمعنى القرب كأنه قال : تقربكم قربى (إِلَّا مَنْ آمَنَ) استثناء من المفعول في تقربكم ، والمعنى أن الأموال لا تقرب إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله ، وقيل الاستثناء منقطع ، والأول أحسن (جَزاءُ الضِّعْفِ) يعني تضعيف الحسنات إلى عشر أمثالها فما فوق ذلك.
(يَبْسُطُ الرِّزْقَ) الآية : كررت لاختلاف القصد ، فإن القصد بالأول على الكفار ، والقصد هنا ترغيب المؤمنين بالإنفاق (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) الخلف قد يكون بمال أو بالثواب (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) براءة من أن يكون لهم رضا بعبادة المشركين لهم ، وليس في ذلك نفي لعبادتهم لهم (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) عبادتهم للجن طاعتهم لهم في الكفر والعصيان ، وقيل : كانوا يدخلون في جوف الأصنام فيعبدون بعبادتها ، ويحتمل أن يكون قوم عبدوا الجن لقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) الآية : في معناها وجهين : أحدهما ليس عندهم كتب تدل على صحة أقوالهم ، ولا جاءهم نذير يشهد بما قالوه ؛ فأقوالهم باطلة إذ لا حجة لهم عليها ، فالقصد على هذا ردّ عليهم ، والآخر : أنهم ليس عندهم كتب ولا جاءهم نذير فهم محتاجون إلى من يعلمهم وينذرهم ، ولذلك بعث الله إليهم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فالقصد على هذا إثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) المعشار العشر ، وقيل عشر العشر ، والأول أصح ، والضمير في بلغوا لكفار قريش ، وفي آتيناهم للكتب المتقدمة : أي إن هؤلاء لم يبلغوا عشر ما أعطى الله للمتقدمين من القوة والأموال ، وقيل : الضمير في بلغوا للمتقدمين ، وفي آتيناهم لقريش : أي ما بلغ المتقدمون عشر ما أعطى الله هؤلاء من البراهين والأدلة ، والأول أصح وهو نظير قوله : كانوا أشدّ منهم قوة (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري ، يعني عقوبة الكفار المتقدمين ، وفي ذلك تهديد لقريش.