(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي بقضية واحدة تقريبا عليكم (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) هذا تفسير القضية الواحدة وأن تقوموا بدل أو عطف بيان أو خبر ابتداء مضمر ، ومعناه أن تقوموا للنظر في أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم قياما خالصا لله تعالى ليس فيه اتباع هوى ولا ميل ، وليس المراد بالقيام هنا القيام على الرجلين ؛ إنما المراد القيام بالأمر والجدّ فيه (مَثْنى وَفُرادى) حال من الضمير في تقوموا ، والمعنى أن تقوموا اثنين اثنين للمناظرة في الأمر وطلب التحقيق وتقوموا واحدا واحدا لإحضار الذهن واستجماع الفكرة ، ثم تتفكروا في أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فتعلموا أن ما به من جنة ، لأنه جاء بالحق الواضح ، ومع ذلك فإن أقواله وأفعاله تدل على رجاحة عقله ومتانة علمه ، وأنه بلغ في الحكمة مبلغا عظيما ، فيدل ذلك على أنه ليس بمجنون ولا مفتر على الله (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) متصل بما قبله على الأصح : أي تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة ، وقيل هو استئناف (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) هذا كما يقول الرجل لصاحبه : إن أعطيتني شيئا فخذه ، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ، ولكنه يريد البراءة من عطائه ، وكذلك معنى هذا ، فهو كقولك : قل ما أسألكم عليه من أجر (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) القذف الرمي ويستعار للإلقاء ، فالمعنى يلقي الحق إلى أصفيائه ، أو يرمي الباطل بالحق فيذهبه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) خبر ابتداء مضمر أو بدل من الضمير في يقذف أو من اسم إن على الموضع (قُلْ جاءَ الْحَقُ) يعني الإسلام (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) الباطل الكفر ، ونفى الإبداء والإعادة ، على أنه لا يفعل شيئا ولا يكون له ظهور أو عبارة عن ذهابه كقوله : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] وقيل : الباطل الشيطان (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) يعني قربه تعالى بعلمه وإحاطته.
(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) جواب لو محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما ، أو معنى فزعوا : أسرعوا إلى الهروب ، والفعل ماض بمعنى الاستقبال ، وكذلك ما بعده من الأفعال ، ووقت الفزع البعث ، وقيل : الموت ، وقيل : يوم بدر (فَلا فَوْتَ) أي لا يفوتون الله إذ هربوا (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) يعني من الموقف إلى النار إذا بعثوا ، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا ، أو من أرض بدر إلى القليب ، والمراد على كل قول سرعة أخذهم (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) أي قالوا ذلك عند أخذهم ، والضمير المجرور لله تعالى أو للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو للقرآن أو للإسلام (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) التناوش بالواو التناول ، إلا أن التناوش تناول