ويحتمل أن يكون المعنى : أن كل قرية هلكت لم تؤمن فهؤلاء كذلك ، ولا يكون على هذا جوابا لقولهم : فليأتنا بآية بل يكون إخبارا مستأنفا على وجه التهديد ؛ وأهلكناها في موضع الصفة لقرية ، والمراد أهل القرية.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) ردّ على قولهم : هل هذا إلا بشر مثلكم ؛ والمعنى أن الرسل المتقدمين [كانوا] رجالا من البشر ، فكيف تنكرون أن يكون هذا الرجل رسولا (أَهْلَ الذِّكْرِ) يعني : أحبار أهل الكتاب (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) أي ما جعلنا الرسل أجسادا غير طاعمين ، ووحد الجسد لإرادة الجنس ، ولا يأكلون الطعام صفة لجسد ، وفي الآية ردّ على قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] (وَمَنْ نَشاءُ) يعني المؤمنين (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي : شرفكم وقيل : تذكيركم (قَصَمْنا) أي أهلكنا ، وأصله من قصم الظهر أي كسره (مِنْ قَرْيَةٍ) يريد أهل القرية : قال ابن عباس : هي قرية باليمن يقال لها حضور ، بعث الله إليهم نبيا فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر ملك بابل فأهلكهم بالقتل ، وظاهر اللفظ أنه على العموم لأن كم للتكثير ، فلا يريد قرية معينة (يَرْكُضُونَ) عبارة عن فرارهم ، فيحتمل أن يكونوا ركبوا الدواب ، وركضوها لتسرع الجري أو شبهوا في سرعة جريهم على أرجلهم بمن يركض الدابة (لا تَرْكُضُوا) أي قيل لهم لا تركضوا والقائل لذلك هم الملائكة. قالوه تهكما بهم ، أو رجال بختنصر إن كانت القرية المعينة ، قالوا ذلك لهم خداعا ليرجعوا فيقتلوهم (أُتْرِفْتُمْ) أي نعمتم (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) تهكم بهم وتوبيخ أي : ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون عما جرى عليكم ، ويحتمل أن يكون تسألون بمعنى يطلب لكم الناس معروفكم وهذا أيضا تهكم (قالُوا يا وَيْلَنا) الآية اعتراف وندم حين لم ينفعهم (حَصِيداً خامِدِينَ) شبهوا في هلاكهم بالزرع المحصود ، ومعنى خامدين : موتى وهو تشبيه بخمود النار (لاعِبِينَ) حال منفية أي ما خلقنا السموات والأرض لأجل اللعب بل للاعتبار بها ، والاستدلال على صانعها (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) اللهو في لغة اليمن : الولد ، وقيل المرأة ، ومن لدنا : أي من الملائكة ، فالمعنى على هذا لو أردنا أن نتخذ ولدا لاتخذناه من الملائكة ، لا من بني آدم ، فهو ردّ على من قال : إن المسيح ابن الله وعزير ابن الله ، والظاهر أن اللهو بمعنى اللعب لاتصاله بقوله لاعبين.
وقال الزمخشري : المعنى على هذا لو أردنا أن نتخذ لهوا لكان ذلك في قدرتنا ، ولكن ذلك