قولك : عمي وتعامى ، فمعنى القراءة بالضم : يتجاهل ويجحد معرفته بالحق ، والظاهر أن ذلك عبارة عن الغفلة وإهمال النظر ، وذكر الرحمن ، وقال الزمخشري يريد به القرآن ، وقال ابن عطية : يريد به ما ذكر الله به عباده من المواعظ ، فالمصدر مضاف إلى الفاعل ، ويحتمل عندي أن يريد ذكر العبد لله ، ومعنى الآية : أن من غفل عن ذكر الله يسّر الله له شيطانا يكون له قرينا ، فتلك عقوبة على الغفلة عن الذكر بتسليط الشيطان ، كما أن من داوم على الذكر تباعد عنه الشيطان.
(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) الضمير في إنهم للشياطين ، وضمير المفعول في يصدونهم لمن يعش عن ذكر الرحمن ، وجمع الضميرين لأن المراد به جمع (حَتَّى إِذا جاءَنا) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر جاءانا بضمير الاثنين وهما من يعش وشيطانه ، وقرأ الباقون بغير ألف على أنه ضمير واحد وهو من يعش ، والضمير في قال : لمن يعش ، وقيل : للشيطان (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) فيه قولان. أحدهما أنه يعني المشرق والمغرب ، وغلّب أحدهما في التشبيه ، كما قيل : القمران ، والآخر : أنه يعني المشرقين والمغربين ، وحذف المغربين لدلالة المشرقين عليه (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) هذا كلام يقال للكفار في الآخرة ، ومعناه أنهم لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب ، ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المكروب في الدنيا ، إذا رأى غيره قد أصابه مثل الذي أصابه ، والفاعل في ينفعكم قوله : «إنكم في العذاب مشتركون» ، وإذ ظلمتم : تعليل معناه : بسبب ظلمكم ، وقيل : الفاعل مضمر ، وهو التبري الذي يقتضيه قوله : «يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين» وأنكم على هذا تعليل ، والأول أرجح (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) الآية : خطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد بالصم والعمي الكفار ؛ إذ كانوا لا يعقلون براهين الإسلام (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) إما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة ، ومقصد الآية وعيد للكفار ، والمعنى إن عجلنا وفاتك قبل الانتقام منهم فإنا سننتقم منهم بعد وفاتك ، وإن أخرنا وفاتك إلى حين الانتقام منهم فإنا عليهم مقتدرون ، وهذا الانتقام يحتمل أن يريد به قتلهم يوم بدر ، وفتح مكة وشبه ذلك من الانتقام في الدنيا ، أو يريد به عذاب الآخرة ، وقيل : إن الضمير في منهم منتقمون للمسلمين ، وأن معنى ذلك أن الله قضى أن ينتقم منهم بالفتن والشدائد ، وإنه أكرم نبيه عليهالسلام بأن توفاه قبل أن يرى الانتقام من أمته ، والأول أشهر وأظهر.
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الضمير في إنه للقرآن أو للإسلام ، والذكر هنا بمعنى