موسى ، ومصر هي البلد المعروف وما يرجع إليه ، ومنتهى ذلك من نهر إسكندرية إلى أسوان بطول النيل (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) يعني : الخلجان الكبار الخارجة من النيل كانت تجرى تحت قصره ، وأعظمها أربعة أنهار : نهر الإسكندرية وتنيس ودمياط ، ونهر طولون (أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ) مذهب سيبويه أن أم هنا متصلة معادلة ، والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم وضع قوله : أنا خير موضع تبصرون لأنهم إذا قالوا له أنت خير فإنهم عنده بصراء ، وهذا من وضع السبب موضع المسبب ، وكان الأصل أن يقول : فلا تبصرون أم تبصرون ، ثم اقتصر على أم وحذف الفعل الذي بعدها واستأنف قوله : أنا خير على وجه الإخبار. ويوقف على هذا القول على أم وهذا ضعيف وقيل أم بمعنى بل فهي منقطعة (مَهِينٌ) أي ضعيف (وَلا يَكادُ يُبِينُ) إشارة إلى ما بقي في لسان موسى من أثر الجمرة ، وذلك أنها كانت قد أحدثت في لسانه عقدة ، فلما دعا أن تحل أجيبت دعوته وبقي منها أثر كان معه لكنة ، وقيل : يعني العيّ في الكلام ، وقوله : ولا يكاد يبين : يقتضي أنه كان يبين ، لأن كاد إذا نفيت تقتضي الإثبات (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) (١) يريد لو لا ألقاها الله إليه كرامة له ودلالة على نبوّته ، والأسورة جمع سوار وأسوار ، وهو ما يجعل في الذراع من الحلي ، وكان الرجال حينئذ يجعلونه (مُقْتَرِنِينَ) أي مقترنين به لا يفارقونه ، أو متقارنين بعضهم مع بعض ليشهدوا له ويقيموا الحجة (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) أي طلب خفتهم بهذه المقالة واستهوى عقولهم (آسَفُونا) أي أغضبونا (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) السلف بفتح السين واللام جمع سالف ، وقرأ حمزة والكسائي : سلفا بضمها جمع سليف ومعناه متقدم : أي تقدم قبل الكفار ليكون موعظة لهم ، ومثلا يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) (٢) روي عن ابن عباس وغيره في تفسيره هذه الآية : أنه لما نزل في القرآن ذكر عيسى ابن مريم والثناء عليه ، قالت قريش : ما يريد محمد إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى ؛ فهذا كان صدودهم من ضربه مثلا ، حكى ذلك ابن عطية والذي ضرب المثل على هذا هو الله في القرآن ، ويصدون بمعنى يعرضون ، وقال الزمخشري : لما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على
__________________
(١). قرأ حفص : أسورة وقرأ الباقون : أساورة.
(٢). يصدون قرأ نافع وابن عامر والكسائي بضم الدال وقرأ الباقون : يصدّون بكسرها.