قريش : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] امتعضوا من ذلك ، وقال عبد الله بن الزبعرى : أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال صلىاللهعليهوسلم هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ، فقال : خصمتك ورب الكعبة ؛ ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيرا ، وقد علمت أن النصارى عبدوه ، فإن كان عيسى في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ، ففرحت قريش بذلك ، وضحكوا وسكت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠١] ، ونزلت هذه الآية ، فالمعنى على هذا : لما ضرب ابن الزبعرى عيسى مثلا وجادل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعبادة النصارى إياه ، إذا قريش من هذا المثل يصدون : أي يضحكون ويصيحون من الفرح ، وهذا المعنى إنما يجري على قراءة يصدون بكسر الصاد بمعنى الضجيج والصياح.
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) (١) يعنون بهو عيسى ، والمعنى أنهم قالوا آلهتنا خير أم عيسى ، فإن كان عيسى يدخل النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ، لأنه خير من آلهتنا ، وهذا الكلام من تمام ما قبله على ما ذكره الزمخشري في تفسير الآية التي قبله ، وأما على ما ذكر ابن عطية فهذا ابتداء معنى آخر ، وحكى الزمخشري في معنى هذه الآية قولا آخر : وهو أنهم لما سمعوا ذكر عيسى قالوا : نحن أهدى من النصارى ، لأنهم عبدوا آدميا ونحن عبدنا الملائكة ، وقالوا آلهتنا وهم الملائكة خير أم عيسى ؛ فمقصدهم تفضيل آلهتهم على عيسى. وقيل : إن قولهم أم هو : يعنون به محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فإنهم لما قالوا إنما يريد محمد أن نعبده كما عبدت النصارى عيسى. قالوا : أآلهتنا خير أم هو يريدون تفضيل آلهتهم على محمد والأظهر أن المراد بهو عيسى وهو قول الجمهور ، ويدل على ذلك تقدم ذكره (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) أي ما ضربوا لك هذا المثال إلا على وجه الجدل ، وهو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره سواء غلبه بحق أو بباطل ، فإن ابن الزبعرى وأمثاله ممن لا يخفى عليه أن عيسى لم يدخل في قوله تعالى : حصب جهنم ، ولكنهم أرادوا المغالطة ، فوصفهم الله بأنهم قوم خصمون (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) يعني عيسى والإنعام عليه بالنبوة والمعجزات ، وغير ذلك (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) في معناها قولان : أحدهما لو نشاء لجعلنا بدلا منكم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون فيها بني آدم ، فقوله منكم يتعلق ببدل المحذوف أو بيخلفون ، والآخر لو نشاء لجعلنا منكم ، أي لولدنا منكم أولادا ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم ، فإنا قادرون على أن نخلق من أولاد الناس ملائكة فلا تنكروا أن خلقنا عيسى من غير والد ، حكى ذلك الزمخشري.
__________________
(١). قرأ نافع : آلهتنا. وقرأ أهل الكوفة : أآلهتنا.