(مَثَلُ الْجَنَّةِ) ذكر في الرعد [٣٥] (غَيْرِ آسِنٍ) أي غير متغير (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) تقديره : أمثل أهل الجنة المذكورة كمن هو خالد في النار؟ فحذف هذا على التقدير والمراد به النفي ، وإنما حذف لدلالة التقدير المتقدم وهو قوله : أفمن كان على بينة من ربه (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) يعني المنافقين ، وجاء يستمعون (١) بلفظ الجمع رعيا لمعنى من (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) روي أنه عبد الله بن مسعود (ما ذا قالَ آنِفاً) كانوا يقولون ذلك على أحد وجهين : إما احتقارا لكلامه ، كأنهم قالوا : أي فائدة فيه ، وإما جهلا منهم ونسيانا ، لأنهم كانوا وقت كلامه معرضين عنه ، وآنفا معناه الساعة الماضية قريبا ، وأصله من : استأنفت الشيء إذا ابتدأته (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) يعني المؤمنين والضمير في زادهم لله تعالى أو للكلام الذي قال فيه المنافقون : ماذا قال آنفا. وقيل : يعني بالذين اهتدوا قوما من النصارى آمنوا بسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، فاهتداؤهم هو إيمانهم بعيسى وزيادة هداهم إسلامهم (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) الضمير للمنافقين ، والمعنى هل ينتظرون إلا الساعة لأنها قريبة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي علاماتها والذي كان قد جاء من ذلك مبعث سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه قال : أنا من أشراط الساعة ، وبعثت أنا والساعة كهاتين (٢) (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) أي كيف لهم الذكرى إذا جاءتهم الساعة بغتة؟ فلا يقدرون على عمل ولا تنفعهم التوبة ، ففاعل جاءتهم الساعة ، وذكراهم مبتدأ وخبره الاستفهام المتقدم ، والمراد به الاستبعاد.
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي دم على العلم بذلك ، واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النظر والعلم قبل العمل ، لأنه قدم قوله : فاعلم على قوله : واستغفر (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) قيل : متقلبكم تصرفكم في الدنيا ، ومثواكم إقامتكم في القبور. وقيل : متقلبكم تصرفكم في اليقظة ، ومثواكم منامكم (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) كان المؤمنون يقولون ذلك على وجه الحرص على نزول القرآن ، والرغبة فيه ؛ لأنهم كانوا يفرحون به ويستوحشون من إبطائه (مُحْكَمَةٌ) يحتمل أن يريد بالمحكمة أي ليس فيها منسوخ ، أو يراد متقنة ، وقرأ ابن مسعود سورة محدثة (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) يعني المنافقين ،
__________________
(١). قوله : يستمعون : خلاف الآية : ومنهم من يستمع فلعل المؤلف وهم والله أعلم.
(٢). قوله : بعثت أنا والساعة كهاتين رواه أحمد عن أنس وجابر بن سمرة ج ٣ ص ٢٣٧.