ونظرهم ذلك في شدّة الخوف من القتل لأن نظر الخائف قريب من نظر المغشي عليه (فَأَوْلى لَهُمْ) في معناه قولان : أحدهما أنه بمعنى أحق وخبره على هذا طاعة. والمعنى أن الطاعة والقول المعروف أولى لهم وأحق والآخر أن أولى لهم كلمة معناها التهديد والدعاء عليهم كقولك : ويل لهم ومنه : أولى لك فأولى ، فيوقف على أولى لهم على هذا القول ، ويكون طاعة ابتداء كلام ، تقديره : طاعة وقول معروف أمثل ، أو المطلوب منهم طاعة وقول معروف ، وقولهم لك يا محمد طاعة وقول معروف بألسنتهم دون قلوبهم (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) أسند العزم إلى الأمر مجازا كقولك : نهاره صائم وليله قائم (صَدَقُوا اللهَ) يحتمل أن يريد صدق اللسان ، أو صدق العزم والنية وهو أظهر.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) هذا خطاب للمنافقين المذكورين خرج من الغيبة إلى الخطاب ، ليكون أبلغ في التوبيخ والمعنى هل يتوقع منكم ، إلّا فساد في الأرض وقطع الأرحام إن توليتم ، ومعنى توليتم : صرتم ولاة على الناس وصار الأمر لكم ، وعلى هذا قيل : إنها نزلت في بني أمية. وقيل : معناه أعرضتم عن الإسلام (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) نزلت في المنافقين الذين نافقوا بعد إسلامهم وقيل : نزلت في قوم من اليهود ، كانوا قد عرفوا نبوة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم من التوراة ثم كفروا به (سَوَّلَ لَهُمْ) أي زيّن لهم ورجّاهم ومنّاهم و (وَأَمْلى لَهُمْ) أي مدّ لهم في الأماني والآمال ، والفاعل هو الشيطان وقيل : الله تعالى والأول أظهر ، لتناسب الضمير بين الفاعلين ، في سوّل وأملى (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) (١) قال ذلك اليهود للمنافقين ، وبعض الأمر : يعنون به مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومحاربته (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي كيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة؟ يعني ملك الموت ومن معه ، والفاء رابطة للكلام مع ما قبله. والمعنى : هذا جزعهم من ذكر القتال ، فكيف يكون حالهم عند الموت؟ (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ) ضمير الفاعل للملائكة ، وقيل : إنه للكفار أي يضربون وجوه أنفسهم وذلك ضعيف.
__________________
(١). تتمة الآية : والله يعلم أسرارهم : قرأها حمزة والكسائي وحفص : إسرارهم بكسر الهمزة والباقون بالفتح.