(أَمْ حَسِبَ) الآية : معناها ظن المنافقون أن لن يفضحهم الله. والضغن : الحقد ، ويراد به هنا النفاق والبغض في الإسلام وأهله (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) أي لو نشاء لأريناك المنافقين بأعيانهم حتى تعرفهم بعلامتهم ، ولكن الله ستر عليهم إبقاء عليهم وعلى أقاربهم من المسلمين ، وروي أن الله لم يذكر واحدا منهم باسمه (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) معنى لحن القول مقصده وطريقته ، وقيل : اللحن هو الخفي المعنى كالكناية والتعريض ، والمعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيعرفهم من دلائل كلامهم ، وإن لم يعرفه الله بهم على التعيين (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي نختبركم (حَتَّى نَعْلَمَ) أي نعلمه علما ظاهرا في الوجود تقوم به الحجة عليكم ؛ وقد علم الله الأشياء قبل كونها ، ولكنه أراد إقامة الحجة على عباده ؛ بما يصدر منهم ، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : اللهم لا تبتلينا ، فإنك إذا ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي خالفوه وعادوه ، ونزلت الآية في المنافقين وقيل : في اليهود.
(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) يحتمل أربعة معان : أحدها لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان والثاني لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات ذكره الزمخشري وهذا على مذهب المعتزلة ، خلافا للأشعرية فإن مذهبهم أن السيئات لا تبطل الحسنات. والثالث لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب ، والرابع لا تبطلوا أعمالكم بأن تقتطعوها قبل تمامها ، وعلى هذا أخذ الفقهاء الآية : وبهذا يستدلون على أن من ابتدأ نافلة لم يجز له قطعها ، وهذا أبعد هذه المعاني ، والأول أظهر لقوله قبل ذلك في الكفار أو المنافقين ، وسيحبط أعمالهم فكأنه يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا أعمالكم مثل هؤلاء الذين أحبط الله أعمالهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله ومشاقتهم الرسول (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) هذا قطع بأن من مات على الكفر لا يغفر الله له ، وقد أجمع المسلمون على ذلك (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) (١) أي لا تضعفوا عن مقاتلة الكفار وتبتدئوهم بالصلح ، هو كقوله : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) [الأنفال : ٦١] (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أي لن ينقصكم أجور أعمالكم ، يقال : وترت
__________________
(١). قوله : السّلم : قرأها أبو بكر وحمزة : السّلم بكسر السين والباقون بالفتح. وهما لغتان.