وتسليمهم بفعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل : معناه الرحمة (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) معناه أنهم ظنوا أن الله يخذل المؤمنين وقالوا : لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا. وقيل : معناه أنهم لا يعرفون الله بصفاته ، فذلك هو ظن السوء به ، والأول أظهر بدليل ما بعده (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (١) يحتمل أن يكون خبرا أو دعاء (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) أي تشهد على أمتك (وَتُعَزِّرُوهُ) أي تعظموه وقيل : تنصرونه ، وقرئ تعززوه بزاءين منقوطتين ، والضمير في تعزروه وتوقروه للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي تسبحوه لله تعالى ، وقيل : الثلاثة لله.
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) هذا تشريف للنبي صلىاللهعليهوسلم حيث جعل مبايعته بمنزلة مبايعة الله ، ثم أكد هذا المعنى بقوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وذلك على وجه التخييل والتمثيل ، يريد أن يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي تعلو يد المبايعين له هي يد الله في المعنى ، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وإنما المراد أن عقد ميثاق البيعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، كعقده مع الله كقوله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] وتأوّل المتأوّلون ذلك بأن يد الله معناها النعمة أو القوة ، وهذا بعيد هنا ونزلت الآية في بيعة الرضوان تحت الشجرة وسنذكرها بعد (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (٢) يعني أن ضرر نكثه على نفسه ويراد بالنكث هنا نقض البيعة.
(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) الآية : سماهم بالمخلفين ، لأنهم تخلفوا عن غزوة الحديبية ، والأعراب هم أهل البوادي من العرب ، لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى مكة يعتمر ، رأوا أنه يستقبل عدوا كثيرا من قريش وغيرهم ، فقعدوا عن الخروج معه ، ولم يكن إيمانهم متمكنا ، فظنوا أنه لا يرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر ففضحهم الله في هذه السورة ، وأعلم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم ، وأعلمه أنهم كاذبون في اعتذارهم (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)
__________________
(١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو : السوء : بضم السين والباقون بفتحها وسكون الواو السّوء.
(٢). قوله تعالى : (وَمَنْ أَوْفى)... (فَسَيُؤْتِيهِ) قرأ نافع وغيره : فسنؤتيه بالنون وقرأ غيرهم فسيؤتيه بالياء.
وقوله : بما عاهد عليه الله هكذا قرأها حفص ، والباقون قرءوها : عليه بكسر الهاء.