وتقول : هل من مزيد حتى يلقى فيها الجبار قدمه (١)» ، وفي الحديث كلام ليس هذا موضعه ، والمزيد يحتمل أن يكون مصدرا كالمحيض أو اسم مفعول فإن كان مصدرا فوزنه مفعل ، وإن كان اسم مفعول فوزنه مفعول.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) أي قرّبت ثم أكد ذلك بقوله غير بعيد (لِكُلِّ أَوَّابٍ) أي كثير الرجوع إلى الله ، فهو من آب يؤوب إذا رجع ، وقيل : هو المسبح لله من قوله (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١] (حَفِيظٍ) أي حافظ لأوامر الله فيفعلها ، ولنواهيه فيتركها (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) أي اتقى الله وهو غائب عن الناس ، فالمجرور في موضع الحال ، من خشي بدل أو مبتدأ ، فإن قيل : كيف قرن بالخشية الاسم الدال على الرحمة؟ فالجواب : أن ذلك لقصد المبالغة في الثناء على من يخشى الله ؛ لأنه يخشاه مع علمه برحمته وعفوه ، قال ذلك الزمخشري ؛ ويحتمل أن يكون الجواب عن ذلك أن الرحمن صار يستعمل استعمال الاسم الذي ليس بصفة كقولنا الله (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) قيل معناه النظر إلى وجه الله ، كقوله : (الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] وقيل : يعني ما لم يخطر على قلوبهم كما ورد في الحديث مما يرويه النبي صلىاللهعليهوسلم عن ربه أنه قال : أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (٢) (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) الضمير في هم للقرون المتقدمة ، وفي منهم لكفار قريش (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) أي طافوا فيها ، وأصله دخولها من أنقابها ، أو من التنقب عن الأمر ، بمعنى البحث عنه (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) أي قالوا : هل من مهرب من الله أو من العذاب (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي قلب واع يعقل ويفهم (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي استمع وهو حاضر القلب (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) اللغوب الإعياء والتعب.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) يعني كفار قريش وغيرهم (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) يحتمل أن يريد التسبيح باللسان ، أو يريد الصلاة وقد ذكر الزمخشري فيه الوجهين وقال ابن عطية : معناه : صلّ بإجماع من المتأوّلين ، وهي على هذا إشارة إلى الصلوات الخمس فقبل طلوع الشمس : الصبح ، وقبل الغروب : الظهر والعصر. ومن الليل : المغرب والعشاء ، وقيل :
__________________
(١). رواه أحمد عن أنس ج ٣ ص ٢٣٤ بلفظ قريب منه.
(٢). الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة وانظر رياض الصالحين.