في أفك ويؤفك إنما هو في العرف من خير إلى شر ، وهذا من شر إلى خير. الرابع : أن يكون الضمير للقول المختلف ، وتكون عن سببية والمعنى : يصرف بسبب ذلك القول من صرف عن الإيمان (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) دعاء عليهم كقولهم : قاتلك الله ، وقيل : قتل بمعنى لعن ، قال ابن عطية : واللفظ لا يقتضي ذلك وقال الزمخشري : أصله الدعاء بالقتل ، ثم جرى مجرى لعن وقبح ، والخراصون الكذابون ، وأصل الخرص : التخمين والقول بالظن والإشارة إلى الكفار ، وقيل : إلى الكهان والأول أظهر (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) الغمرة ما يغطي عقل الإنسان ، وأصله من غمرة الماء ، والمراد به هنا الجهالة والغفلة عن النظر (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي يقولون : متى يوم الدين على وجه الاستبعاد والاستخفاف (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) هذا جواب عن سؤالهم ، ومعنى يفتنون : يحرقون ويعذبون ، ومنه قيل للحرّة : فتين لأن الشمس أحرقت حجارتها ، ويحتمل أن يكون يومهم معربا والعامل فيه مضمر تقديره : يقع ذلك يوم هم على النار يفتنون ، وأن يكون مبنيا لإضافته إلى مبني ، وعلى هذا يجوز أن يكون في موضع نصب بالفعل المضمر حسبما ذكرنا ، أو في موضع رفع والتقدير هو : يوم هم على النار يفتنون (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي يقال لهم : ذوقوا حرقتكم.
(آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) يعنى يأخذون في الجنة ما أعطاهم ربهم من الخيرات والنعيم ، وقيل : المعنى آخذين في الدنيا ما آتاهم ربهم من شرعه ، والأول أظهر وأرجح لدلالة الكلام عليه (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع النوم. وفي معنى الآية قولان : أحدهما : وهو الصحيح : أنهم كانوا ينامون قليلا من الليل ، ويقطعون أكثر الليل بالسهر في الصلاة والتضرع والدعاء ، والآخر : أنهم كانوا لا ينامون بالليل قليلا ولا كثيرا ، ويختلف الإعراب باختلاف المعنيين ؛ فأما على القول الأول ففي الإعراب أربعة أوجه : الأول أن يكون قليلا خبر كانوا وما يهجعون فاعل بقليلا ، لأن قليلا صفة مشبهة باسم الفاعل ، وتكون ما مصدرية ، والتقدير : كانوا قليلا هجوعهم من الليل ، والثاني : مثل هذا إلا أن ما موصولة والتقدير : كانوا قليلا الذي يهجعون فيه من الليل ، والثالث : أن تكون ما زائدة ، وقليلا ظرف ، والعامل فيه يهجعون ، والتقدير : كانوا يهجعون وقتا قليلا من الليل ، والرابع مثل هذا إلا أن قليلا صفة لمصدر محذوف ، والتقدير : كانوا يهجعون هجوعا قليلا ، وأما على القول الثاني ففي الإعراب وجهان : أحدهما أن تكون ما نافية ، وقليلا ظرف ، والعامل فيه يهجعون ، والتقدير : كانوا ما يهجعون قليلا من الليل ، والآخر أن تكون ما نافية ، وقليلا خبر كان ، والمعنى كانوا قليلا في الناس ، ثم ابتدأ بقوله من الليل ما يهجعون وكلا الوجهين باطل عند أهل العربية ، لأن ما نافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، فظهر ضعف هذا المعنى لبطلان إعرابه.