تعليل لما ذكر من عذابهم ، وليس تعليلا للصبر ولا لعدمه كما قال بعض الناس (فاكِهِينَ) يحتمل أن يكون معناه أصحاب فاكهة ، فيكون نحو لابن وتامر صاحب لبن وصاحب تمر أو يكون من الفكاهة بمعنى السرور (وَوَقاهُمْ) معطوف على قوله : في جنات أو على آتاهم ربهم ، أو تكون الواو للحال (كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي يقال لهم : كلوا (هَنِيئاً) صفة لمصدر محذوف تقديره : كلوا أكلا هنيئا ، ويحتمل أن يكون وقع موقع فعل تقديره : هنأكم الأكل والشرب (بِحُورٍ عِينٍ) الحور : جمع حوراء وهي الشديدة بياض بياض العين وسواد سوادها ، والعين جمع عيناء وهي الكبيرة العينين مع جمالها ، وإنما دخلت الباء في قوله بحور لأنه تضمن قوله : زوّجناهم معنى قرناهم ، قاله الزمخشري وقال : إن الذين آمنوا معطوف على بحور عين أي قرناهم بحور للتلذذ بهن ، وبالذين آمنوا للأنس معهم. والأظهر أن الكلام تمّ في قوله «بحور عين» ويكون والذين آمنوا مبتدأ خبره ألحقنا.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١) معنى الآية ما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته في الجنة ، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه» (٢) فذلك كرامة للأبناء بسبب الآباء ، قيل : إن ذلك في الأولاد الذين ماتوا صغارا ، وقيل : على الإطلاق في الأبناء المؤمنين ، وبإيمان في موضع الحال من الذرية ، والمعنى أنهم اتبعوا آباءهم في الإيمان ، وقال الزمخشري : إن هذا المجرور يتعلق بألحقنا ، والمعنى عنده بسبب الإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ، والأول أظهر ، فإن قيل : لم قال بإيمان بالتنكير؟ فالجواب : أن المعنى بشيء من الإيمان لم يكونوا به أهلا لدرجة آبائهم ، ولكنهم لحقوا بهم كرامة لآباء ، فالمراد تقليل إيمان الذرية ولكنه رفع درجتهم ، فكيف إذا كان إيمانا عظيما (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما أنقصناهم من ثواب أعمالهم بل وفينا لهم أجورهم ، وقيل المعنى : ألحقنا ذريتهم بهم ، وما نقصناهم شيئا من ثواب أعمالهم بسبب ذلك ، بل فعلنا ذلك تفضلا زيادة إلى ثواب أعمالهم ، والضمير على القولين يعود على الذين آمنوا ، وقيل : إنه يعود على الذرية (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي مرتهن ، فإما أن تنجيه حسناته ، وإما أن تهلكه
__________________
(١). اختلف القراء في قراءتها : فقرأ أهل الكوفة ذريتهم بالافراد الأولى بالرفع والثانية بالنصب وقرأ نافع ذريتهم الأولى بالافراد : ذرياتهم. والثاني بالجمع والكسر : ذرياتهم وقرأ أبو عمر : وأتبعناهم ذرياتهم ، وألحقنا بهم ذرياتهم بالجمع والكسر وقرأ ابن عامر : وأتبعتهم ذرياتهم بالألف والضم. وألحقنا بهم ذرياتهم بالجمع والكسر.
(٢). لم أعثر عليه ولا شك بأن معناه صحيح لورود القرآن به ، وقد أورده الطبري موقوفا على ابن عباس.