(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) الضمير للقصة المذكورة أو الفعلة أو السفينة وروي في هذا المعنى أنها بقيت على الجودي حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) تحضيض على الادّكار فيه ملاطفة جميلة من الله لعباده ، ووزن مدكر مفتعل وأصله مدتكر ثم أبدل من التاء دالا وأدغمت فيها الدال (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١) توقيف [سؤال] فيه تهديد لقريش والنذر جمع نذير (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي يسرناه للحفظ ، وهذا معلوم بالمشاهدة ، فإنه يحفظه الأطفال الأصاغر وغيرهم حفظا بالغا بخلاف غيره من الكتب ، وقد روي أنه لم يحفظ شيء من كتب الله عن ظهر قلب إلا القرآن. وقيل : معنى الآية سهلناه للفهم والاتعاظ به لما تضمن من البراهين والحكم البليغة ، وإنما كرر هذه الآية البليغة وقوله : فذوقوا عذابي ونذر لينبه السامع عند كل قصة ، فيعتبر بها إذ كل قصة من القصص التي ذكرت عبرة وموعظة ، فختم كل واحدة بما يوقظ السامع من الوعيد في قوله : فكيف كان عذابي ونذر ، ومن الملاطفة في قوله : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (رِيحاً صَرْصَراً) أي مصوتة فهو من الصرير يعني الصوت وقيل : معناه باردة فهو من الصر (يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) روي أنه كان يوم أربعاء ، حتى رأى بعضهم أن كل يوم أربعاء نحس ورووا : آخر أربعاء من الشهر يوم نحس مستمر (٢) (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقلعهم من مواضعهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أعجاز النخل هي : أصولها ، والمنقعر : المنقطع. فشبه الله عادا لما هلكوا بذلك لأنهم طوال عظام الأجساد كالنخل ، وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم فتبقى أجسادا بلا رؤوس ، فشبههم بأعجاز النخل لأنها دون أغصان : وقيل : كانوا حفروا حفرا يمتنعون بها من الريح. فهلكوا فيها فشبههم بأعجاز النخل إذا كانت في حفرها (أَبَشَراً) هو صالح عليهالسلام ، وانتصب بفعل مضمر والمعنى أنهم أنكروا أن يتبعوا بشرا وطلبوا أن يكون الرسول من الملائكة ، ثم زادوا أن أنكروا أن يتبعوا واحدا وهم جماعة كثيرون (وَسُعُرٍ) أي عناد ، وقيل : معناه جنون ، وقيل : معناه هم وغم وأصله من السعير بمعنى النار. وكأنه احتراق النفس بالهم.
__________________
(١). قوله تعالى : (وَنُذُرِ) تكررت عدة مرات في هذه السورة وقد قرأها ورش عن نافع بالياء : ونذري وحذفها الباقون.
(٢). هذا الحديث ذكره المناوي في التيسير وعزاه لوكيع بن الجراح في الغرر وابن مردويه وهو ضعيف.