(يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) (١) العامل في يوم مضمر تقديره : اذكر أو قوله : (يَخْرُجُونَ) بعد ذلك ، وليس العامل فيه تول عنهم لفساد المعنى. فقد تم الكلام في قوله : تول عنهم فيوقف عليه وقيل : المعنى تولّ عنهم أي يوم يدع الداع والأول أظهر وأشهر. والداعي جبريل أو إسرافيل إذ ينفخ في الصور ، والشيء النكر الشديد الفظيع. وأصله من الإنكار. أي : هو منكور لأنه لم ير قط مثله ، والمراد به يوم القيامة (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) كناية عن الذلة وانتصب خشعا على الحال من الضمير في يخرجون (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) أي من القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) شبّههم بالجراد في خروجهم من الأرض ، فكأنه استدلال على البعث كالاستدلال بخروج النبات. وقيل : إنما شبههم بالجراد في كثرتهم ، وأن بعضهم يموج في بعض (مُهْطِعِينَ) أي مسرعين وقيل : ناظرين إلى الداع (٢) (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) يعني نوحا عليهالسلام ، ووصفه هنا بالعبودية تشريفا له واختصاصا (وَازْدُجِرَ) أي زجروه بالشتم والتخويف وقالوا له : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) أي قد غلبني الكفار فانتصر لي أو انتصر لنفسك ، (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) عبارة عن كثرة المطر ، فكأنه يخرج من أبواب ، وقيل : فتحت في السماء أبواب يومئذ حقيقة ، والمنهمر الكثير (فَالْتَقَى الْماءُ) ماء السماء وماء الأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي قد قضي في الأزل ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه قدر بمقدار معلوم ، وروي في ذلك أنه علا فوق الأرض أربعين ذراعا (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) يعني السفينة والدسر هي المسامير واحدها دسار ، وقيل : هي مقادم السفينة ، وقيل : أضلاعها والأول أشهر (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) عبارة عن حفظ الله ورعيه لها (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أي جزاء لنوح : وقيل : جزاء لله تعالى والأول أظهر ، وانتصب جزاء على أنه مفعول من أجله ، والعامل فيه ما تقدم من فتح أبواب السماء وما بعده من الأفعال ؛ أي جعلنا ذلك كله جزاء لنوح ، ويحتمل أن يكون قوله : كفر من الكفر بالدين والتقدير لمن كفر به فحذف الضمير ، أو يكون من الكفر بالنعمة ؛ لأن نوحا عليهالسلام نعمة من الله كفرها قومه ، فلا يحتاج على هذا إلى الضمير المحذوف.
__________________
(١). قوله : يدع الداع : قرأ قالون عن نافع والبزي وأبو عمرو : يوم يدع الداعي بإثبات الياء وصلا وحذفها الباقون.
(٢). قوله : مهطعين إلى الداع. قرأ أهل الحجاز والبصرة : (مهطعين إلى الداعي) بإثبات الياء وصلا وأثبتها ابن كثير وقفا وحذفها الباقون وصلا ووقفا.