الموج ، والأعلام الجبال شبه السفن بها (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) الضمير في عليها للأرض يدل على ذلك سياق الكلام وإن لم يتقدم لها ذكر ، ويعني بمن عليها بني آدم وغيرهم من الحيوان ، ولكنه غلّب العقلاء (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) الوجه هنا عبارة عن الذات ، وذو الجلال صفة للذات لأن من أسمائه تعالى الجليل ، ومعناه يقرب من معنى العظيم ، وأما وصفه بالإكرام فيحتمل أن يكون بمعنى أنه يكرم عباده كما قال في الإسراء [٧] : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أو بمعنى أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) المعنى أن كل من في السموات والأرض يسأل حاجته من الله ، فمنهم من يسأله بلسان المقال ، وهم المؤمنون ، ومنهم من يسأله بلسان الحال لافتقار الجميع إليه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) المعنى أنه تعالى يتصرف في ملكوته تصرفا يظهر في كل يوم من العطاء والمنع ، والإماتة والإحياء وغير ذلك ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأها فقيل له وما ذلك الشأن ، قال من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين (١) وسئل بعضهم. كيف قال : كل يوم هو في شأن والقلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال : هو في شأن يبديه لا في شأن يبتديه.
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٢) معناه الوعيد كقولك لمن تهدده : سأفرغ لعقوبتك ، وليس المراد التفرغ من شغل ، ويحتمل أن يريد انتهاء مدة الدنيا ، وإنه حينئذ ينقضي شأنها ، فلا يبقى إلا شأن الآخرة فعبّر عن ذلك بالتفرغ. قال الإمام جعفر بن محمد : سمى الإنس والجن ثقلين ، كأنهما ثقلا بالذنوب (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) هذا كلام يقال للجن والإنس يوم القيامة أي : إن قدرتم على الهروب والخروج من أقطار السموات والأرض فافعلوا ، وروي أنهم يفرون يومئذ لما يرون من أهوال القيامة فيجدون سبعة صفوف من الملائكة ، قد أحاطت بالأرض فيرجعون ، وقيل : بل خوطبوا بذلك في الدنيا ؛ والمعنى : إن استطعتم الخروج عن قهر الله وقضائه عليكم فافعلوا ، وقوله : فانفذوا أمر يراد به التعجيز (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) أي لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة ، وليس لكم قوة (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) الشواظ لهيب النار ، والنحاس الدخان وقيل : هو الصفر يذاب ويصب على رؤوسهم وقرئ شواظ بضم الشين
__________________
(١). رواه الطبري بسنده إلى عبد الله الأزدي.
(٢). قوله : سنفرغ : قرأها حمزة والكسائي : سيفرغ. والباقون بالنون : سنفرغ.