لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يصيب من خمر الدنيا ، وقيل لا يفرقون عنها فهو من الصدع وهو الفرقة ، ومعنى لا ينزفون (١) لا يسكرون (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) قيل : يتخيرون ما شاؤوا لكثرتها ، وقيل : مخيرة مرضية (وَحُورٌ عِينٌ) قدمنا معناه ، والقراءة بالرفع على تقدير فيها حور ، أو عطف على الضمير في متكئين ، أو على ولدان وقرأ حمزة والكسائي حور بالخفض عطف على المعنى كأنه قال : ينعمون بهذا كله وبحور عين ، وقيل : خفض على الجوار (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) شبههن باللؤلؤ في البياض ووصفه بالمكنون ؛ لأنه أبعد عن تغيير حسنه ، وسألت أم سلمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذا التشبيه فقال : صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) اللغو الكلام الساقط كالفحش وغيره ، والتأثيم مصدر بمعنى لا يؤثم أحد هناك نفسه ولا غيره (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) انتصب سلاما على أنه بدل من قيلا أو صفة له أو مفعول به لقيلا ، لأن معناه قولا ، ومعنى السلام على هذا التحية ، والمعنى أنهم يفشون السلام فيسلمون سلاما بعد سلام ، ويحتمل أن يكون معناه السلامة ، فينتصب بفعل مضمر تقديره اسلموا سلاما.
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) هذا مبتدأ وخبره قصد به التعظيم فيوقف عليه ، ويبتدأ بما بعده ويحتمل أن يكون الخبر في سدر ، ويكون ما أصحاب اليمين اعتراضا ، والأول أحسن ، وكذلك إعراب أصحاب الشمال (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) السدر شجر معروف ، قال ابن عطية هو الذي يقال له شجر أم غيلان النبق وهو كثير في بلاد المشرق وهي في بعض بلاد الأندلس دون بعض ، والمخضود الذي لا شوك له كأنه خضد شوكه ، وذلك أن سدر الدنيا له شوك ، فوصف سدر الجنة بضد ذلك وقيل : المخضود هو الموقر الذي انثنت أغصانه من كثرة حمله ، فهو على هذا من خضد الغصن إذا ثناه (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) الطلح شجر عظيم كثير الشوك ، قاله ابن عطية وقال الزمخشري هو شجر الموز ، وحكي ابن عطية هذا عن علي بن أبي طالب وابن عباس وقرأ علي بن أبي طالب : وطلع منضود بالعين فقيل له إنما هو ، وطلح بالحاء فقال : ما للطلح والجنة فقيل له أنصلحها في المصحف فقال : المصحف اليوم لا يغيّر ، والمنضود الذي تنضد بالثمر من أعلاه إلى أسفله ، حتى لا يظهر له ساق (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي منبسط لا يزول لأنه لا تنسخه الشمس ، وقال رسول صلىاللهعليهوسلم إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها. اقرءوا إن شئتم وظل ممدود (٢). (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) : أي مصبوب ، وذلك عبارة عن كثرته وقيل : المعنى
__________________
(١). قرأ عاصم وحمزة والكسائي : ينزفون بكسر الفاء وقرأ الباقون ينزفون بالفتح.
(٢). أخرجه البخاري في عدة كتب منها التفسير والرقاق وبدء الخلق عن سهل بن سعد ج ٧ / ٢٠١.