قرأ أبيّ بن كعب وقرأ بالتخفيف من التصديق ، أي صدقوا الرسول عليه الصلاة والسلام ، (وَأَقْرَضُوا اللهَ) معطوف على المعنى ، كأنه قال إن الذين تصدقوا وأقرضوا ، وقد ذكرنا معنى أقرضوا في قوله : من ذا الذي يقرض الله (الصِّدِّيقُونَ) مبالغة من الصدق أو من التصديق ، وكونه من الصدق أرجح ؛ لأن صيغة فعّيل لا تبنى إلا من فعل ثلاثي في الأكثر ، وقد حكي بناؤها من رباعي كقولهم : رجل مسّيك من أمسك (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يحتمل أن يكون الشهداء مبتدأ وخبره ما بعده ، أو يكون معطوفا على الصديقين ، فإن كان مبتدأ ففي المعنى قولان : أحدهما أنه جمع شهيد في سبيل الله فأخبر أنهم عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والآخر أنه جمع شاهد ، ويراد به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنهم يشهدون على قومهم ، وإن كان معطوفا ففي المعنى قولان ، أحدهما : أنه جمع شهيد فوصف الله المؤمنين بأنهم صديقون وشهداء : أي جمعوا الوصفين ، وروي في هذا المعنى أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : مؤمنو أمتي شهداء (١) وتلا هذه الآية ، والآخر أنه جمع شاهد ، لأن المؤمنين يشهدون على الناس كقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) هذا خبر عن الشهداء خاصة إن كان مبتدأ ، أو خبر عن المؤمنين إن كان الشهداء معطوفا ، ونورهم هو النور الذي يكون لهم يوم القيامة ، حسبما ذكره في هذه السورة ، وقيل : هو عبارة عن الهدى والإيمان ، (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) الآية معناها تشبيه الدنيا بالزرع الذي ينبته الغيث في سرعة تغيره بعد حسنه ، وتحطمه بعد ظهوره والكفّار هنا يراد به الزراع فهو من قوله : كفرت الحبّ إذا سترته تحت الأرض : وخصهم بالذكر لأنهم أهل البصر بالزرع والفلاحة ، فلا يعجبهم إلا ما هو حقيق أن يعجب ، وقيل : أراد الكفار بالله وخصهم بالذكر ؛ لأنهم أشد إعجابا بالدنيا وأكثر حرصا عليها.
(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي سابقوا إلى الأعمال التي تستحقون بها المغفرة ، فقيل : المعنى كونوا في أول صف من القتال ، وقيل : احضروا تكبيرة الإحرام مع الإمام ، وقيل : كونوا أول داخل إلى المسجد ، وأول خارج منه وهذه أمثلة ، والمعنى العام : المسابقة إلى جميع الأعمال الصالحات ، وقد استدل بها قوم على أن الصلاة في أول الوقت
__________________
(١). روى هذا الحديث الإمام الطبري في تفسيره بسنده إلى البراء بن عازب.