للقتال ولذلك قال : وليعلم الله من ينصره ورسله والمنافع للناس : سكك الحرث والمسامير وغير ذلك (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي من ذرية نوح وإبراهيم مهتدون قليلون ، وأكثرهم فاسقون لأن منهم اليهود والنصارى وغيرهم.
(وَقَفَّيْنا) ذكر في البقرة [٨٧] (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) هذا ثناء عليهم بمحبة بعضهم في بعض كما وصف أصحاب سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، بأنهم رحماء بينهم (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) الرهبانية هي الانفراد في الجبال ، والانقطاع عن الناس في الصوامع ، ورفض النساء وترك الدنيا ، ومعنى ابتدعوها أي أحدثوها من غير أن يشرعها الله لهم ، وإعراب رهبانية معطوف على رأفة ورحمة أي جعل الله في قلوبهم الرأفة والرحمة والرهبانية ، وابتدعوها صفة للرهبانية ، والجعل هنا بمعنى الخلق. والمعتزلة يعربون رهبانية مفعولا بفعل مضمر يفسره ابتدعوها ؛ لأن مذهبهم أن الإنسان يخلق أفعاله ، فأعربوها على مذهبهم ، وكذلك أعربها أبو علي الفارسي وذكر الزمخشري الوجهين (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) كتبنا هنا بمعنى ، فرضنا وشرعنا وفي هذا قولان : أحدهما أن الاستثناء منقطع ، والمعنى ما كتبنا عليهم الرهبانية ، ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ، ابتغاء رضوان الله ، والآخر أن الاستئناف متصل والمعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله والأول أرجح لقوله «ابتدعوها» ولقراءة عبد الله بن مسعود : ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أي لم يدوموا عليها ، ولم يحافظوا على الوفاء بها ، يعني أن جميعهم لم يرعوها وإن رعاها بعضهم. والضمير في رعوها للذين ابتدعوا الرهبانية وكان يجب عليهم إتمامها ، وإن لم يكتبها الله سبحانه وتعالى عليهم ، لأن من دخل في شيء من النوافل يجب عليه إتمامه وقيل : الضمير لمن جاء بعد الذين ابتدعوا الرهبانية من أتباعهم.
(وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) إن قيل : كيف خاطب الذين آمنوا وأمرهم بالإيمان وتحصيل الحاصل لا ينبغي؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أن معنى آمنوا دوموا على الإيمان وأثبتوا عليه ، والآخر أنه خطاب لأهل الكتاب فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويؤيد هذا قوله : يؤتكم كفلين من رحمته أي نصيبين ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي (١) الحديث (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) يحتمل أن يريد النور
__________________
(١). رواه أحمد عن أبي موسى الأشعري ج ٤ ص ٤٠٢ ، ٤٠٥.